ولكن كثيرة هي نقاط العلام التي يمكن الوقوف عندها خاصة أنه لم يكن هناك من سمة واحدة مميزة أو طاغية لا بل كل شيء كان حاضراً (الكوميديا ، الجنس ، الشذوذ ، الرعب ، العنف ، التعصب ، التسلط السياسي ..) كلها محاور تم تناولها في أفلام شكلت قوام المهرجان ومسابقته الأعرق .
لقد سعى منظمو المهرجان منذ اللحظات الأولى لانطلاقته التخفيف من وطأة الأزمة المالية العالمية عليه رغم أنهم سبق وصرحوا عن تخفيض للنفقات المتعلقة بالحفلات والأمسيات، لكن العديد من النقاد أشاروا إلى أن الأزمة قد أرخت بظلالها فعلاً على اليومين الأوليين ، ولكنهم عادوا وأكدوا أن ذلك لم يؤثر على سوية ما قُدِم من أفلام خاصة أن المفاجآت بدأت منذ حفل الافتتاح فهي المرة الأولى التي يتم فيها اختيار فيلم رسوم متحركة ثلاثي الأبعاد لحفل الافتتاح وهو فيلم (up) إخراج بيت دوكتر وربما كان وراء هذا الاختيار تدشين حقبة سينمائية جديدة سيكون فيها للتقنيات الدور الأبرز فيها ، ويتناول الفيلم قصة بائع بالونات متقاعد يسعى للوفاء بعهد قطعه لزوجته الراحلة ببناء منزل عند شلالات الجنة في أميركا الجنوبية ولتحقيق حلمه يستخدم عشرة آلاف بالون للتحليق بمنزله إلى هناك برفقة طفل ولكن أمور كثيرة تتكشف أمامه تجعله يدرك أهمية تغيير خط حياته .
ملصق المهرجان كان عبارة عن لقطة للممثلة مونيكا فيتي في فيلم (المغامرة) الذي أثار زوبعة من الاستنكار لدى عرضه في مهرجان كان عام 1960 ، أما عدد الأفلام التي تنافست في المسابقة الرسمية فبلغ عشرين فيلماً تم انتقاؤها من أصل ألفي فيلم ، وقد رافق عروض المسابقة آراء نقدية عديدة ذهب الكثير منها للحديث عن سطوة أفلام سينما المؤلف بشكل واضح ، ومن الأفلام التي عرضت فيلم (حوض السمك) للمخرجة أندريا أرنولد وبطولة كاتي جارفيس وريبيكا جريفيس ويرصد حكاية فتاة في الخامسة عشرة من العمر تعيش مشاعرها المتقلبة فتجهد لتحقيق ذاتها وتجد ضالتها في الرقص ، أما الفيلم الإيطالي (الانتصار) للمخرج ماركو بيلوتشيو فهو فيلم سياسي سلط الضوء على الحقبة الفاشية من خلال التركيز على شخصية موسوليني الإنسان والرمز السياسي وذلك منذ بداياته الأولى والتحولات التي طرأت عليه وكيف أصبح فاشياً والمناورات التي كان يقوم بها لتثبيت دعائم سلطته ، يبرز في العمل دور سيدة تقيم معه علاقة ثم تبيع ممتلكاتها لتساعده على افتتاح صحيفة ناطقة بلسان حزبه الجديد ، تنجب منه طفلاً وتتسارع الأحداث وتتكثف وتيرة الظلم الذي يقع عليها ، يكبر الطفل تحت الرقابة لكنه يبقى ساخراً من والده .
ويأتي فيلم (آنتي كرايست) ليؤكد قدرة مخرجه لارس فون تريير على الولوج إلى أعمق مكان في الإنسان .. إلى طبيعته وذلك من خلال زوجين يسعيان للانعزال في دروب موحشة لإصلاح ما تحطم بينهما ، أما فيلم (الزمن المتبقي) للمخرج الفلسطيني إيليا سمعان فتناول التحولات اليومية للفلسطينيين منذ عام 1948 وحتى اليوم داخل الخط الأخضر والذين يعيشون كأقلية على أرضهم ورصد قصة شاب مقاوم وفتاة تضطر للإقامة خارج أرضها ، ويروي الفيلم بجزء منه السيرة الذاتية للمخرج حيث يمزج سمعان بين ذكرياته الخاصة وذكريات والديه فاستطاع صياغة سيرة فريدة متأملة حزينة ولكن حافلة بالسخرية مؤكداً بلغة سينمائية أكثر ثقة ونضجاً على الهوية الفلسطينية لسكان مدينته الناصرة ، الفيلم من بطولة صالح بكري وياسمين حاج وليلى معمر وايليا سليمان .
وبالتوازي مع المسابقة الرسمية كانت هناك مجموعة من الفعاليات التي تم من خلالها عرض عدد كبير من الأفلام ومن أهمها (سوق الفيلم الدولية) التي استمرت طول المهرجان ومن بين الأفلام التي شاركت فيها الفيلم المصري (إبراهيم الأبيض) إخراج مروان حامد ، وبطولة محمود عبد العزيز، وأحمد السقا، وحنان ترك، وهند صبري ، أما في تظاهرة (أسبوع النقاد الدوليين) فعرض فيها فيلم (وداعاً فاري) للجزائري الأصل نسيم أمعوش والفيلم العراقي (العم الطائر) لشرهم اليدي .