وهو مشتى نموذجي، منحته الطبيعية كل مقومات الجمال لجذب الإنسان من مياه للشرب، والمعدنية الساخنة للمعالجة، والتربة الخصبة للزراعة، ومناخ معتدل شتاء.
استمد هذا الموقع اسمه من الحرارة المرتفعة لمياه الينابيع الموجودة فيه، فالحمة تعني الحرارة العالية، وفي وضعها تعبر تماما عن ميزتها. وحمة جدر نسبه إلى مدينة جدر (جدارة) التي تقع الآن على الضفة الجنوبية لوادي اليرموك الأردن وتحمل اسم أم قيس، وتربط الحمة بأم قيس بعاملي القرب المكاني والتبعية الإدارية في العصر الروماني- البيزنطي، إذ كانت الحمة وأجزاء مهمة من جنوب الجولان ضمن التبعية الإدارية لجدارة، التي كانت ضمن تحالف المدن العشر(الديكابولس).الحمة وطئها الإنسان القديم في وقت مبكر لأهميتها وقد وجد علماء الآثار أدلة على استيطان بشري فيها، يعود إلى خمسة آلاف عام، يعني في العصر البرونزي القديم ، وكما عثر على بقايا في موقع تل الدوير، وهو موقع قديم في غرب الحمة حوالي3كم، ووجدت فيه بقايا فخارية، تعود إلى العصر البرونزي القديم، وكذلك اكتشفت مواقع اخرى تعود إلى العصر الحجري- النحاسي (كالكوليت) كما يعتقد أن هذه التلال المرتفعة على امتداد مدخل الحمة وادي اليرموك كانت بمثابة مواقع دفاعية لحماية الحمة ومدخلها الغربي.وفي عصور لاحقة اشتهرت الحمة وذاع صيتها حتى تسابق إليها القياصرة والولاة والحكام الرومان، لتخليد اسمائهم في الكتابات التي نقشت على جدران الحمة.
وكثرت الأحاديث عن الحمامات فيها إذ قال عنها المؤرخ اليوناني أو نافيوس بعد زيارته لها في القرن الرابع الميلادي:» تأتي حمامات الحمة في الدرجة الثانية في الامبراطورية الرومانية بعد حمامات بابه في خليج نابولي، سواء من حيث الروعة أم من حيث الفخامة.
وقام الرحالة انطونيوس بزيارتها في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، وأشار إلى مركز صحي بالموقع لمعالجة مرض الجذام، كما قام معاوية بن أبي سفيان أول خلفاء بني امية بترميم الحمامات في القرن السابع الميلادي، في دلالة واضحة إلى استمرار أهمية الحمة ومكانتها، ويرجح انها تعرضت للدمار في عام 749م بسبب الزلزال المدمر الذي أتى على معظم حواضر الجولان، وربما هذا ما جعل المقدسي البشاري الذي عاش في القرن العاشر الميلادي، يتحدث فقط عن مياه هذه الحمامات دون وصف عمارتها، أما الكاتب الكوزموغرافي الكبير ابن فضل الله العمر فوصف الحمة في القرن الرابع عشر الميلادي بقوله: حمة جدر، وهي تحت فيق وعليها قبو معقود ببناء حسن طويل، وبه أحواض يقال إن كل حوض لعلة من العلل يبرئها إذا استحم بها العليل، حتى جاء احد الحكماء فهدم القبور والأحواض وجمع الماء كله إلى مجرى واحد، إلا فرعين تركهما، أحدهما لمن به ريح، والثاني لمن به جرب. والماء يغمر سائر الأسقام، وماء هذه الحمة عذب، وآثار الابنية باقية.
إن معظم الرحالة الغربيين الذين قصدوا الجولان في القرن التاسع عشر زاروا الحمة.
موقع مأهول بالسكان والزوار
لقد احتلت الحمة حيزا كبيرا في اهتمامات العصرين الروماني والبيزنطي، منذ أن بدأت عملية بناء الحمامات في الموقع أضاف الانسان جديد عصره إلى الموجود سابقا وأعطى جل اهتمامه للناحية الجمالية، فزين الموقع بالرخام والنوافير والاعمدة والتيجان والتماثيل، وطور عملية الجمع بين المياه الساخنة والباردة، وفر خدمات الإقامة المريحة من مأكل ومشرب وثقافة وتسلية حتى غدت الحمة موقعا معروفاعالميا.
وفي العصر الروماني- البيزنطي ضم الموقع معالم رئيسية منها تل اصطناعي وآخر طبيعي إضافة إلى مسرح وكنيسة ومجمع حمامات وأحياء سكنية وشوارع واعمدة تعلوها التيجان إلى جانب مسيلين ينتهيان في نهر اليرموك، وقد وجد المهندس غوتليب شوماخر حين زار الموقع في اوائل ثمانينات القرن التاسع عشر بقايا المعالم الاصطناعية ورسم مخططا له أكد على أنه كان مأهولاً بالسكان والزوار.
تصميم مدروس بدقة
عثر حتى الآن على سبع برك للسباحة والاستجمام، مختلفة من حيث الشكل والحجم ودرجة الحرارة ونوعية الماء وتقع أهم هذه البرك في مجمع الحمامات، وهو مجمع كبير بني في اوائل القرن الثاني م. يحتوي على عدة قاعات تضم بركا للسباحة ويلاحظ ان التصميم لهذا الموقع راعى الظروف الطبيعية والمناخية والضوئية وخصوصا في القاعات مركزا على مسألتين: مشكلة الإضاءة التي كثرت بسببها النوافذ الكبيرة في الجوانب التي تتلقى الضوء في معظم ساعات النهار، ومشكلة الاستيعاب فوسعت المداخل والمخارج والممرات إلى درجة تسمح باستيعاب أعداد كبيرة من الزوار دفعة واحدة وتسهل حركتهم.
وفيه قاعة رئيسية 22.6*10.5م فيها صفان من الأعمدة الحجرية المتوجة وبركة سباحة مدرجة في وسطها، إضافة إلى ثلاثة أحواض صغيرة، وتوجد في قسمها الشمالي منصة عالية نسبيا، مرصوفة بأحجار ملونة ومفصولة بممر من الأعمدة ذات التيجان واسكفة عليا مقوسة ومزخرفة على النمط الروماني- والى جانب هذه القاعة «قاعة الزخارف» هناك قاعة إضافية تعرف بقاعة الكتابات حيث عثر فيها على 25 كتابة يونانية وهي اصغر من القاعة الرئيسية 15*10م تتصل عبر مدخل ببركة سباحة مدهونة بالكلس. وأيضا فيه قاعة بيضوية فيها برك سباحة بيضوية وبرك دائرية وأحواض صغيرة، كان كل حوض منها مخصص لشخص واحد، وقد تمت اضاءة هذه القاعة بنوافذ كبيرة في الجدار الجنوبي الغربي، منها ثلاث نوافذ في الوسط على شكل أقواس النصر الرومانية.
وهناك قاعة أخرى تعد الأروع من حيث الحجم والتصميم الهندسي تعرف بقاعة النوافير وتضم جناحين ملحقين، وتوجد في الوسط بركة سباحة تنتصب على محيطها 32 نافورة، ويعتقد أن هذه القاعة كانت مكشوفة.
غطيت جدران هذه القاعات والحمامات بالرخام وزينت بالزخارف والأعمدة المتوجة.
مسرح الحمة
شهدت الحمة حركة ثقافية نشطة منذ العصر الهلنيستي، فقد عثر في الموقع على بقايا مسرح وبني في الجانب الشمالي الشرقي لتل اصطناعي شمال شرق مجمع القاعات والحمامات.
وهو مسرح كبير الحجم واسع، يتألف مدرجه من 15 صفا من المقاعد على شكل نصف دائرة قطرها 30م، ويرتفع الصف العلوي للمدرج عن حلبة المسرح حوالي 6.60م ويضم حلبة دائرية كانت مخصصة للأوركسترا التي كانت جزءاً من الدراما اليونانية، وكذلك يضم منبرا إضافة إلى ملحقات المسرح. أما مقاعد المسرح فهي من الحجر البازلتي ومريحة ومنها ما هو مميز بالمساند، ولايزال يقوم في الموقع مبنى قديم مع ثلاث قناطر، إلى جواره مبنى مقنطر آخر، ويشار إلى أن المسرح كان يستوعب جلوسا ما بين 1500- 2000 شخص.
آثار الحمة
يقوم تل طبيعي في الزاوية الشمالية الغربية ما بين بركة الجرب في الشرق ونهر اليرموك في الغرب، ويعرف في بعض المصادر بـ( تل باني) تعني الحمام باليونانية وجدت فيه بقايا من العصر البرونزي القديم، ويبدو أن هذا التل كان موقعا دفاعيا.
كما عثر على تماثيل حجرية، ووجدت كوى كانت توضع فيها الأصنام، كما عثر على صلبان منحوتة على الحجارة، وأعمدة مجدولة وقواعد أعمدة، وقد تحدث شوماخر عن مغاور طبيعية في الجروف المحيطة بالموقع يبدو أن الإنسان استخدمها في فترة ما.