ليس الأمر في محافظة دمشق وحدها, بل في سورية كلها, لايوجد في أي محافظة سورية صالات عرض سينمائية عاملة غير تلك التي تتبع للمؤسسة العامة للسينما, حول هذا الواقع يدور هذا التحقيق, نعرف أن عودة الروح للسينما تحتاج رأس مال يؤمن بالعمل الثقافي والابداعي, ولاينتظر حصاد النتائج بين ليلة وضحاها, كما في الدراما.. الكثير من الآراء تقدم رؤاها حول ذلك.
لن تحتاج المزيد من العناء لتجول بين صالات السينما التي لاتزال شامخة في بنائها، خاوية على عروشها، تميزها تلك «الأفيشات» التي كاد يعلوها الصدأ لقدم عرضها على واجهاتها القديمة شكلا ومضمونا.
بين شارع الفردوس و29 أيار تتوزع صالات السينما التي كانت في يوم تعج بروادها يتزاحمون للحصول على تذكرة دخول «دنيا، الفردوس، السفراء، الأهرام، الخيام، الأمير، الزهراء..» فقد أخبرتنا المرجعيات السينمائية بأن جمهورا واسعا كان عاشقا لهذا الفن العريق، وكانت السينما في غير مرحلة متنفسا هاما لقضاء وقت من المتعة والفائدة برفقة العائلة والأصدقاء، والسعي خلف الفنان والنجم المفضل، ولكن اليوم هجرها عشاقها فخبا وهجها وخلت من روادها إلى أولويات باتت تحتل المكانة الأولى في حياتنا، بسبب ماخلفته الحرب من تشتت وضياع، ماخلا سينما «سيتي» الخاصة بعد أن قامت بتجديد صالاتها لتقدم عروضها وفق أحدث التقنيات.
المرسوم التشريعي «118»
وفي محاولة لإعادة الحياة إلى تلك الصالات ساهمت المؤسسة العامة بإصدارالمرسوم 118/ تاريخ 22/ 9/ 2011 ويتضمن إعفاء كل من سيقوم بإحداث صالة سينمائية أو تحديث خدماتها من الرسوم الجمركية لكافة المستوردات اللازمة لإنشاء أو تحديث الصالة بالإضافة إلى إعفائه ولمدة خمس سنوات من ضريبة الدخل، وإلغاء رسم دعم السينما الذي كان يضاف لتذكرة الدخول للصالات الخاصة، في خطوة تحفيزية للانطلاق نحو تحديث الصالات.
الاستجابة ضئيلة
ويبين باسم خباز معاون المدير العام للمؤسسة العامة للسينما، أنه رغم التسهيلات والمحفزات التي قدمها المرسوم آنف الذكر تكاد الاستجابة تكون معدومة في إنشاء أو تحديث الصالات، علما أنه تم السماح للصالات القديمة بتغيير شكلها وتحويلها إلى فندق أو «مول» أو أي مشروع تجاري رابح، شرط إحداث صالة سينمائية ضمن هذا التجمع.
ويعيد خباز هذا الأمر إلى أسباب عديدة منها أن ملكياتها أصبحت قديمة، فبعضهم توفي ومنهم من غادر البلاد، لتؤول الملكية إلى أشخاص عدة من المالكين مثل سينما «الزهراء والسفراء» ماساهم في بقائها على وضعها الراهن، ليعملوا بما يتيسر لهم من بعض عروض الأفلام القديمة والمسرحيات، وبالطبع هذا في الصالات الخاصة.
إعادة تأهيل
ويميز خباز بين الصالات التابعة للمؤسسة العامة للسينما وبين صالات القطاع الخاص التي تقسم إلى قسمين، منها من قام بتحديث خدماته «صالة سينما سيتي وفندق الشام الذي يسعى إلى إعادة تحديث خمس صالات» والقسم الآخر لم يطور في صالاته وخدماته وعرضه للأفلام، لذلك نراها إما مقفلة أو تفتح صالاتها من وقت لآخر.
ويتبع للمؤسسة العامة للسينما سلسلة صالات الكندي في دمشق والمحافظات، وقد تضرر بعضها بشكل كبير كصالة كندي حمص ودير الزور، والعمل جار على محورين: المحور الأول: تحديث خدمات الصالات التي لم يطلها التخريب «صالة الكندي، وكندي دمر وصالة كندي اللاذقية»، لتصبح من أحدث الصالات ضمن تقنيات عالية، إلى جانب تحديث البناء وخدماته ومرافقه، وتتمتع صالة طرطوس أيضاً بتقنيات عالية، والمؤسسة بصدد إعادة بناء صالة حمص وإعادة تأهيلها لتصبح صالتين بعد توقيع عقد استثمار مع محافظة حمص، والدراسة الفنية توشك أن تكون جاهزة.
عقوبات جائرة
أما فيما يخص جماهيرية السينما ونسبة الحضور، يميز باسم خباز بين أمرين، فالأفلام المنتجة من قبل المؤسسة تجد أصداء إيجابية وحضورا جماهيريا لافتا، وفيما يخص الأفلام العالمية فهي تتأثر بالعقوبات الجائرة على سورية، ونحاول تأمين مايتيسر لنا من الأفلام سواء بالصالات أو التظاهرات الشهرية تحت عناوين مختلفة.
وهنا لايمكن تجاهل دخل الفرد وتحول الأولويات إلى الأمور المعاشية، وعدم توفر الخدمات اللازمة في الصالات «مطاعم، كافيه، والفيلم المهم»، لكننا نسعى لتحقيق هذه الأساسيات، وننظر الى المستقبل بعين التفاؤل في وجود الاستثمار الجيد للسينما في المولات والفنادق والمنشآت السياحية، هذا إلى جانب نشر سينما الهواء الطلق في فصلي الربيع والصيف.
إحياء ثقافة المشاهدة السينمائية
عندما تجتمع مقومات العرض السينمائي الجيد يرى عمار حامد مدير التوزيع الداخلي والصالات أن حراكا سينمائيا لابد أن نشهده في الصالات التابعة للمؤسسة العامة للسينما، وعلى وجه الخصوص في الصالات الخاصة رغم ارتفاع ثمن تذكرة دخول العرض، يقول: نحن مقبلون على ثورة حضارية جديدة وإعادة الإعمار، فالرهان دائما على المستقبل وما يحمله من تطورات وانتشار ثقافة سينما المولات سواء على صعيد الإنتاج السينمائي الخاص، ونحن نملك النجوم من المخرجين والفنانين، أو على صعيد صالات الكندي المنتشرة في المحافظات من عروض لأسابيع ثقافية ومهرجانات سينمائية، لتعود متعة المشاهدة إلى عشاق الفن السابع.
القرصنة السينمائية
رغم استمرارها في العروض السينمائية لأحدث الأفلام العالمية التي يتزامن عرضها مع بلد المنشأ، والتقنيات الحديثة في الصوت والصورة التي تتمتع به الصالة دون منازع، تقول ديالى أتاسي مديرة سينما سيتي، أن ثمة صعوبات تعترض الصالة وأهمها مقاطعة بعض شركات تصنيع الأفلام العالمية لسورية، وقرصنة وسرقة الأفلام وعرضها على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع على الانترنيت مايؤثر سلبا على نسبة الحضور، هذا إلى جانب خضوع الأفلام لمقص الرقيب واقتطاع أجزاء من الفيلم.
وتضيف: نسعى دائما إلى استطلاع رأي الجمهور في نوعية الأفلام لجذبه إلى صالات السينما عبر استقدام أحدث الأفلام العربية والعالمية في عرض ثلاثي الأبعاد، وسينما سيتي الوحيدة في القطر التي تعرض فيلماً ثلاثي الأبعاد، وتقدم الخدمات للجمهور عبر مجمع «سينما سيتي» المصنف سياحيا منشأة بخمس نجوم.
ضرب من الرفاهية ؟!
وفي محاولة لنفض الغبار عن بعض الصالات السينمائية كانت زيارتنا لسينما السفراء، وفي الطريق إليها وليس بعيدا عنها وربما يحمل الاسم نفسه، يلفتنا طوابير من الناس، ولكن ليس لحجز تذكرة لحضور فيلم أو هو التهافت على حضور فيلم نال جائزة الأوسكار، بل هو بائع «الشاورما» بينما لاتجد غير الحارس يستقبلك على باب الصالة ويشير إليك بالبنان أن واحداً من أصحابها في المقهى الكائن أعلى الصالة.
أسامة سويد منتج مسرحي وأحد الشركاء يحكي واقعا مؤلما ألمّ بصالات السينما ويقول:
أعتقد أن حضور المسرح وارتياد السينما هو ضرب من الرفاهية، واليوم وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي خلفتها الحرب، يسعى الناس إلى توفير لقمة العيش، ولاوقت للرفاهية، ناهيك عن أن أسعار الأفلام باتت باهظة الثمن، لذلك عندما نضطر للعرض تكون أفلامنا قديمة عفا عليها الزمن، وإن حدثت تلك العروض فهي في مناسبات الأعياد.
الوضع سيء جدا، لذلك نعمد إلى استخدام صالات المسرح في بعض العروض للأطفال بالاتفاق مع واحدة من الفرق التي تستهدف الأطفال في أعمالها، وبعض أعمال الفنانين، حيث يعرض على مسرح السفراء «مسرح سورية الجراح».
وتمنى بدوره أن يعود الازدهار لقطاع السينما، واستذكر كيف كان الناس ينتظرون ساعات للحصول على بطاقة الدخول، والاستمتاع بأحدث الأفلام المحلية والعربية والعالمية.
عروض ولكن
وبينما علا الغبار أبواب العديد من الصالات تفخر صالة الدنيا بأنها لاتزال تفتح أبوابها للزوار وتعرض أفلامها التي لاأدري تاريخ ولادتها، ولكن الغاية ربما تبرر الوسيلة «بدنا نعيش» فالصور والأفيشات المعروضة على مدخل الصالة تحكي حكايتها، لاجديد يجتاز عتبتها، ولاتجديد يطرأ على خدماتها.
وكذلك الأمر في سينما الزهراء التي تفتح أبوابها لذاك المقهى الذي يتربع في واحدة من صالاته لاستقبال قادم من عناء سفر، أو عابر سبيل أراد التخفيف من أعبائه، بينما يتصارع الشركاء يبحثون عن نافذة فرج ينطلقون خلالها إلى عالم الاستثمار أو اللااستثمار.
سينماتيك
ورغم مايعترض الصالات من تحديات ومعوقات، وتوقف بعضها عن العمل لسبب أو آخر، فهذا لم يثن المؤسسة العامة للسينما للقيام بدورها في الحفاظ على إرثها السينمائي عبر إحداث المكتبة الوطنية للسينما «سينماتيك» وألحقت بصالة كندي دمشق، زودت الصالة بأحدث تجهيزات الكمبيوتر التي تقدم عروض الأفلام عبر تسعة أجهزة يمكن لكل زائر متابعة مايريد من الأفلام عبر تخصيصه بجهاز يعرض فيلمه المختار.
يقول نبيل حمام مدير سينماتيك: هدفنا من المكتبة حفظ الأفلام السورية القديمة التي أنتجت في البلد وعرضها لمن يهمه الأمر، وحمايتها في الآن نفسه من التلف والضياع.
يقدم المركز مجموعة كبيرة من الأفلام المحلية والعربية والعالمية التي وصل عددها إلى 1000 فيلم مترجم بطريقة احترافية، ومصنفة بين الكلاسيكية، إيطالية، فرنسية، أميركية، يابانية، عربية..
والمكتبة مفتوحة لجميع محبي السينما، والأفلام تبدأ من العام 1920 إلى الوقت الحالي، وهناك مشاريع كثيرة لتطويرها في المرحلة القادمة.
ويضيف حمام: نحن في سعي دائم للحصول على المزيد من الأفلام لإغناء المكتبة وتغذية السينماتيك بخيارات جديدة محلية وعالمية، والصالة تفتح أبوابها من التاسعة صباحا وحتى الثامنة مساء، وهناك فريق يقدم الإجابات والخدمات جميعها التي يطلبها الزائر من المادة البصرية والكتب الورقية التي تصدر عن المؤسسة ضمن سلسلة الفن السابع.
آخر المطاف
في محاولة لاستطلاع رأي محبي السينما عن أهميتها، وهل حقا لاتزال واحدة من اهتمامات المواطن الذي أنهكته الحرب وضاقت سبل عيشه حتى الرمق الأخير، فجاءت الإجابات ربما صادمة بعض الشيء.
فقد أجاب البعض القليل أن الفيلم السينمائي إن كان يحمل من مقوماته المضمون والنجم وسعر التذكرة الذي يتناسب مع الدخل، ربما يقتطعون من ميزانيتهم المتواضعة مايكفي لحضور الفيلم.
بينما امتنع البعض عن الإجابة في موقف استنكاري ينم عن استياء وربما في الآن نفسه حزن تبدى في قسمات الوجه وتعابيره التي حملت ألف جواب وجواب.
ومهما يكن واقع الحال، فلايمكن أن نتجاهل أهمية عودة الحياة إلى السينما الخاصة منها والتابعة للمؤسسة العامة للسينما وبأسعار تناسب الشرائح كافة، لتصبح تلك الثقافة الجماهيرية السينمائية واقعا نتلمسه على نوافذ بيع التذاكر من جديد.