على الرغم من الدعم الكبير الملغوم خاصة من الجانب التركي لفايز السراج فإنه لا يحظى سوى بالقليل من الدعم من الأشخاص الموجودين على الأرض في ليبيا ,وبالطبع هذا لا يكفي لحكم البلاد بأكملها بشكل فعال.
لهذا السبب تم القبض على الباحث الروسي ماكسيم شوجلي، وكذلك مترجمته سمر سيفان، في أيار 2019 في ليبيا أثناء قيامهما ببحوث ميدانية حول الرأي العام بخصوص حكومة السراج. عمل شوجلي في مؤسسة حماية القيم الوطنية ومقرها موسكو ، والتي يتزعمها ألكسندر مالكيفيز,المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
اعتقلت حكومة الوفاق شوجلي بدعوى أنه كان يزعزع استقرار البلاد، بينما يقول الباحث الروسي إنه تم إلقاء القبض عليه لأن اكتشافاته قوّضت مزاعم السراج بأنه يمثل الليبيين،وفي رسالة مفتوحة من خلال صحيفة واشنطن بوست موجّهة إلى السراج طالب مدير المؤسسة ألكسندر مالكيفيز بالإفراج عن الأسرى وفقاً لالتزامات الحكومة الليبية التي تم التعهد بها في مؤتمر برلين في 19 كانون الثاني، وذلك بالإفراج عن جميع السجناء المحتجزين بشكل غير قانوني، كما اتهم «وكالات الاستخبارات الأجنبية» بالوقوف وراء اعتقال شوجلي وسمر سيفان.
تدل مشاركة تركيا وقطر كداعمين رئيسيين لفايز السراج على أن الحرب في ليبيا ترتبط بمصالح القوى الناشئة أكثر من اهتمامها برفاهية الشعب الليبي المنهك من الحرب، لقد كان للبلدين دور كبير في تخريب وتدمير ليبيا عام2011.
الدور التركي القطري القذر وصل حتى دعم جماعة الإخوان المسلمين (الجناح السياسي للقاعدة)، وفي العقود الأخيرة برزت تركيا بدورها الملغوم، ولم يخف أردوغان رغبته في إحياء الإمبراطورية العثمانية، والواضح أن أنقرة تريد توسيع نفوذها في شمال إفريقيا بعد التصريح عن أطماعها في سورية.
لقد بين العالم التركي اوجلي كيتسيكيس أن تركيا تسعى للظهور كقوة عظمى في القرن الحادي والعشرين، ووفقاً لـكيتسيكيس يمكن تقسيم القارة الأوراسية إلى ثلاث مناطق رئيسية: أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية والمنطقة الوسطى التي تشكل جزءاً بين الشرق والغرب، وتركيا اليوم تحاول أن تتغلغل بين المجالات الجيوسياسية للولايات المتحدة وروسيا والصين.
يعتمد الدعم الفرنسي لحفتر على اهتمامات باريس الخاصة ومصالحها في مجال الطاقة، ومن جهة أخرى العلاقات بين باريس وموسكو شهدت تحسناً منذ رئاسة ماكرون , كما أن ألمانيا وفرنسا تعملان معاً لإنشاء جيش أوروبي ترى روسيا أنه حصن ضد الولايات المتحدة وهيمنتها، وإن تحوّل ماكرون مؤخراً نحو روسيا يدل على أن باريس تولي أهمية أكبر لعسكرة الاتحاد الأوروبي على حساب الناتو، وهذا ليس بأي حال تطوراً إيجابياً للمواطنين الأوروبيين، والمواطنين الفرنسيين على وجه الخصوص ،أي وجود أوروبا في مواجهة حرب مفتوحة ، لكنه يناسب رؤية موسكو بعيدة المدى لنظام عالمي متعدد الأقطاب.
منذ وصول ترامب لرئاسة الولايات المتحدة ،اضطلعت واشنطن بدور ثانوي في ليبيا ، حيث اعتبرت نفسها وسيطاً، وبما أن الولايات المتحدة تدعم الاتفاق الأخير بين اليونان وقبرص و»إسرائيل» حول خط أنابيب شرق البحر المتوسط ، فإن واشنطن تدرك أن روسيا برزت كمفاوض رئيسي في شرق البحر المتوسط وبشكل متزايد في شمال إفريقيا، وإذا استطاعت حكومة طبرق المقبولة من الشعب الليبي السيطرة على البلاد في ليبيا، فمن المحتمل أن تكون موسكو حليفاً رئيسياً في شمال إفريقيا، بغض النظر عن محاولات واشنطن.
لقد أدت الإطاحة بزعيم جماعة الإخوان المسلمين في مصر محمد مرسي خلال ثورة 2013 إلى تغيير الجغرافيا السياسية الإقليمية لصالح جيل جديد من القادة العلمانيين المؤيدين، وفي 2كانون الثاني الماضي وقعت «إسرائيل» اتفاقاً مع قبرص واليونان لإنشاء خط أنابيب للغاز من حقل غاز ليفياثان عبر قبرص واليونان إلى أوروبا، ومن المتوقع أن توقع إيطاليا الاتفاق في وقت لاحق والذي يبدو أنه يشير إلى تحول مرة أخرى نحو مجلس النواب في طبرق.
كما وقعت أنقرة اتفاقاً مع حكومة السراج في 27 تشرين الثاني 2019 والذي يمثل خط الترسيم في مناطق النفوذ الاقتصادي بين ليبيا وتركيا في شرق البحر المتوسط.
منذ محاولة ثورة الألوان في عام 2013 والانقلاب الفاشل في عام 2016 ، تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، والعقوبات الأميركية الأخيرة ضد تركيا أججت رغبة أردوغان في دعم السراج، لذلك أرسل له في كانون الثاني الماضي أكثر من 4000 عنصر من مرتزقته في سورية لدعمه، ما يؤكّد تورط تركيا في ليبيا ، وهذا قد يتسبب أيضاً في صراع مع مصر. كانت القاهرة وأنقرة في الماضي خصمين إقليميين سابقين منذ عهد محمد علي باشا في القرن التاسع عشر، و لكلا البلدين استثماراتهما في إفريقيا وهي تنمو بسرعة ولديهما طموحات هيمنة إقليمية.
تركيا هي في الغالب حجر عثرة لاستعادة الحكومة الشرعية في ليبيا، وحكومة السراج محمية من قبل الميليشيات في مصراتة وطرابلس، وعلى الجنرال حفتر الذي عارض العقيد القذافي أن يجد اتفاقاً مع سيف الإسلام إذا نجح الجيش الوطني الليبي في السيطرة الكاملة على البلاد.
حقيقة أن النظام المدعوم من تركيا يمكن أن يستمر في تحدي موسكو من خلال القبض على عضو في مؤسسة قريبة من الرئيس فلاديمير بوتين، وبما أن ليبيا طريق رئيسي للهجرة الجماعية إلى أوروبا ، يمكن أن تستخدم أنقرة تهديد طوفان آخر غير خاضع للرقابة هو المهاجرين من جنوب الصحراء إلى أوروبا لكن في الوقت الحالي تظل الضرورات الجيواستراتيجية لتركيا وطموحاتها الإمبريالية العقبة الرئيسية أمام عودة السلام في ليبيا.