تذكرت الفرات الثاني وأنا أقرأ العدد المتميز الخاص الذي أصدرته جريدة الثورة عن انتصار حلب (يوم السبت الماضي ٢٢-٢-٢٠٢٠).
ورد في ذاك العدد أن مجلس الوزراء -المنعقد في حلب- اعتمد خطة وزارة الصناعة لتأهيل معامل الجرارات والخميرة والألبان وأفران صهر الحديد، وخصّص لهذه الغاية ٨ مليارات ليرة سورية.
ومعمل الجرارات هذا، كان ينتج ٣٠٠٠ جرّار قبل الحرب، ووصلت نسبة التصنيع المحلي فيه إلى ٨٠ بالمئة، وكنا نراه نواة لدخول سورية عصر الصناعات الثقيلة (تصنيع المصانع وإنتاج المخارط والمحركات والآليات الكبرى الزراعية والإنشائية)، وهذا ما يجب أن يحدث في عاصمة الصناعة السورية وقاطرة تنميتنا -حلب- وللجرّار دور مهم وجوهري في إحياء الأرض الزراعية وتفعيلها، وهي ينبوع الغذاء وفرص العمل، وله دور مهم في نقل البضائع وجر صهاريج المياه والانتقال على الطرقات الجبلية الوعرة.......إلخ
دمر المتوحشون هذا المصنع، وإذا أثمرت الجلسة التي خصت انتصار حلب بـ ١٤٥ مليار ليرة سورية، لتشغيله مجدداً تكون قد أحدثت منعطفاً كبيراً في الاقتصاد السوري، لأن حلب التي استفادت من نهر الفرات فوائد كبرى عبر بحيرة الأسد وقناة مسكنة غرب، التي ستروي سهول حلب الجنوبية، ومن مشروع مسكنة غرب -ذاته- بأراضيه المستصلحة والمزودة بالصرف المغطى (٥٢ ألف هكتار من الأراضي المروية)، هي بحاجة ماسة إلى مصنع جرارات، وسورية بحاجة إلى مصانع جرارات لأنها بلد زراعي في الأساس، والدولة السورية بحاجة إلى مثل هذه المصانع الكبرى، لتغدو أقوى، فليس من المنطقي أن يقتصر دخلها على الضرائب، يجب أن تملك الدولة بنى إنتاجية كبرى تجعلها ينبوع العطاء الصناعي والزراعي والخدمي، وقادرة على تمويل المشاريع التنموية الضخمة التي تحدث تغييراً إيجابياً في الظروف الموضوعية، ما يفتح الطريق واسعاً أمام تلبية الاحتياجات الخدمية المتنامية، كالكهرباء والماء والمواصلات.....إلخ.
ما من شك أن المقارنة بين فراتي حلب رمزية، لكن قاسمها المشترك الفعالية، والجرار يفعل الأرض الزراعية مثلما تدخر السدود الماء، فتنأى به عن أن يكون سبباً في الخراب عبر الفيضان، أو أن يذهب هدراً فلا يروي الأراضي وقت الجفاف.