مرعي: المراقب استهوته سطوة المفتش...
حوراني: الامتيازات تعيق الأداء ...
رئيس الهيئة لا يتعامل مع الإعلام ورئيس الجهاز مشغول...
بداية نحن لا نريد التشكيك بالدور الذي تقوم به الجهات الرقابية والمتمثلة لدينا بهيئة الرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية, خاصة أن لدى الجهازين حجم عمل كبير يكشف من خلاله على الكثير من قضايا الفساد التي تصيب مؤسساتنا في القطاع العام لكن يحضرنا سؤال مفاده عند حدوث قضية فساد في إحدى المؤسسات أين كان دور الجهات الرقابية قبل وقوع الفساد والهدر? فالنظام الداخلي لهيئة الرقابة والتفتيش نص على نوعين من الرقابة:
الأولى وهي الرقابة السابقة أي الوقائية وتقوم على مبدأ متابعة عمل المؤسسات لمنع وقوع الحدث وهذا النوع يعتبر رقابة بناءة أما النوع الثاني فهو الرقابة اللاحقة: وهو الأسلوب المتبع في أغلب مؤسساتنا كما أن للهيئة من خلال مرسوم إحداثها بالقانون رقم 24 الصادر بتاريخ 8/7/1996 هدفت إلى تطوير العمل الإداري وحماية المال العام وتحقيق الفاعلية في الإنتاج ورفع مستوى الكفاءة والأداء, إضافة إلى تسهيل توفير الخدمات للمواطنين أما الجهاز المركزي للرقابة المالية فمهمته السابقة كانت تقتصر على تدقيق الحسابات لدى الجهات العامة, لكن المرسوم الجديد أعطى الجهاز صلاحيات واسعة وأصبح لديه صلاحية في التحقيق أي مدقق حسابات+ فتح أضابير تحقيق.
إذاً الجهازان هما المرجعية الأساسية لدينا كجهات رقابية لكن ما الآثار التي يمكن أن يتركهما على أداء العمل لدي مؤسسات القطاع العام هل هو أثر إيجابي أم سلبي ضمن الآلية المتبعة فمن خلال استمزاج آراء بعض المديرين العامين في المؤسسات وأكاديميين حول أثر الجهات الرقابية على أداء العمل كانت معظم الآراء تصب بضرورة تحديث الأطر القانوينة المعمول بها لدى هذه الجهات والدعوة لاستخدام النوع الأول من الرقابة أي الاستباقية, كما كنا نتمنى أن نأخذ رأي أصحاب الشأن لدى الجهات الرقابية لمعرفة دورها بشكل أوضح ومدى تنفيذ القرارات التي تصدر عنها وهل يتم الأخذ بمعظمها?إلا أنه لم يتحقق ذلك. ففي هيئة الرقابة والتفتيش أعلمنا مدير مكتبه أن رئيس الهيئة لايعطي أي تصريح للإعلام.
محاولة فاشلة
بينما في جهاز الرقابة المالية كان لنا أكثر من اتصال عبر سكرتيرة رئيس الجهاز وأرسلنا فاكساً بالأسئلة حول أثر الجهات الرقابية لكن جاءنا الرد أن رئيس الجهاز لديه عمل لإنجاز قطع حسابات الموازنة وطلب الانتظار!!? وهكذا لم يكن في جعبتنا سوى آراء بعض المديرين العامين والأكاديميين كما أشرنا سابقاً.
دورات للمراقبين
والبداية كانت مع الدكتور أحمد عبد العزيز مدير عام المناطق الحرة الذي أكد على ضرورة وجود الجهات الرقابية لكن يجب أن تصب في إطار تقييم العمل والأداء وألا تذهب في طريق انتقامي وأوضح عبد العزيز أن بعض المراقبين يعملون كالشرطي عند التحقيق مع العامل لذلك يجب تغيير هذه الذهنية كونها تؤدي إلى شلل العمل ودعا إلى ضرورة إجراء دورات للمراقبين الذين يحملون إجازات جامعية غير الحقوق للمعرفة أكثر بمواد القانون والتشريعات.
تشكيل لجنة
بينما رأى المدير العام لمؤسسة الاسمنت زياد كلش إلى ضرورة تشكيل لجنة من الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش لدراسة الواقع العام لمؤسسات القطاع العام وطرح التصورات المستقبلية لتطويرها من خلال خبراتهم التفتيشية سابقاً وهذا سينعكس إيجابياً على القطاع العام وأداء عمل الهيئات الرقابية ودعا كلش إلى تطوير القوانين في الجهات الرقابية وتحسين أداء عملهم.
الرقابة السابقة
وللتنظيم النقابي العمالي كان له رأي في أداء عمل الجهات الرقابية حيث أوضح جمال القادري رئيس اتحاد عمال دمشق أن لتفعيل عمل الجهات الرقابية بشكل أكبر يجب تطبيق الرقابة الوقائية السابقة للتنفيذ لتجنب أي حالة خلل قبل وقوعها. وبيّن القادري أن الرقابة الوقائية تبدأ من الشخص المناسب في المكان المناسب وتنتهي بتبسيط الأنظمة والقوانين وجعلها واضحة وشفافة وسهلة التطبيق ومحاولة لمنع الخطأ قبل وقوعه.
مكونات الرقابة
وحول وجهة النظر الأكاديمية لعمل الرقابة وأثرها قال الدكتور محمد مرعي عميد كلية التنمية الإدارية سابقاً.
الرقابة الادارية في المؤسسات تتألف من ثلاثة مكونات مكون قانوني وإداري يحدد الأنظمة وتعليمات العمل وتوصيف الوظائف. ومكون فني يحدد المواصفات والتجهيزات والآلات وكيفية استثمارها, ومكون مالي يحدد الأسس المالية والمحاسبية للعمل, والخلل يكمن في الرقابة الإدارية في حالة ضعف المكون الأول والثاني أي أن هناك ضعفاً في التوصيف القانوني والوظيفي للمؤسسات وضعفاً في التوصيف الفني لكيفية تعامل الموظف أو العامل مع الآلات والتجهيزات وغياب الرقابة تماماً عن هذين المكونين والأمر الذي يحدث بشكل طبيعي خلل بالمكون الثالث وهو القضايا المالية والمحاسبية. ويضيف مرعي أن واقع الرقابة في كل دول العالم يشمل جانبين جانب وقائي والرقابة القبلية:توظف لتوضيح المكونين, القانوني الإداري والفني وفي حال كانت الرقابة القبلية فعالة لا يحصل خلل فني أو إداري أو قانوني وللأسف الرقابة في المؤسسة السورية رقابة بعدية ننتظر أن يحدث الخطأ ونقيم الحد على من ارتكب الأخطاء بينما المسؤولية على أجهزة الرقابة لأنها لم تمارس العمل الرقابي المسبق..
وأوضح مرعي أن مسيرة التطور الإداري بدأت وحققت بعض المؤسسات تطورات ملحوظة على صعيد آليات وطرائق العمل أو على صعيد مستوى تأهيل الأشخاص وعقليتهم التطويرية للأسف المؤسسات الرقابية- والكلام لمرعي- تهتم بالعمل وفق آليات وطرق مازالت كما هي في سنة إحداث المؤسسات الرقابية أي مضى عليها عشر ات السنين ,و الجانب الآخر والأشخاص العاملون في الرقابة لم يتمكنوا من مجاراة عقلية الموظف المعاصر سواء كان يعمل في جهات رقابية أو جهات إنتاجية واستهوتهم هيبة العمل الرقابي لممارسة أشكال التسلط والتعسف على الآخرين لفرض سطوة المفتش أو الرقيب.
فك الارتباط ...
أما الدكتور أكرم الحوراني المدرس في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق قال : إن الأجهزة الرقابية من حيث العائدية يجب أن ترتبط إداريا و ماليا إما بالسلطة التشريعية الممثلة بمؤسسة مجلس الشعب أو بالسلطة القضائية , وما دامت هذه الجهات الرقابية ذات ارتباط في السلطة التنفيذية فإنها من الصعب أن تمارس دورها الرقابي المأمول والواضح في نظامها الداخلي ومرسوم إحداثها ..
من نسيج المؤسسة ...
ويضيف الحوراني: ما يحدث على أرض الواقع أن كل إدارة أو مؤسسة حكومية كانت ذات طابع إداري أو اقتصادية لديها ممثل للجهة الرقابية يسمى من قبل الهيئة أو الجهاز ويمارس عمله في تلك المؤسسات ويرفع تقاريره إلى مراجعه مباشرة لكن ما يحدث عمليا هو أن المكلف بهذا العمل يحتاج إلى مجموعة من الخدمات التي يقدمها له الشخص المسؤول عن المؤسسة مثل تأمين وسيلة نقل أو غيرها. فإن آلية العمل المتبعة والامتيازات التي يحصل عليها المراقب الداخلي تمنعه في الغالب من أداء دوره الرقابي المنشود وهو القيام بالرقابة المستمرة واليومية لآليات سير العمل, كما غالبا ما نجد -والكلام لحوارني- أن هذا المراقب الداخلي يمارس العمل في نفس الدائرة لفترة طويلة ويصبح جزءا من هذا النسيج المكون لهذه المؤسسة لذلك يفضل تحريكه من مكان لآخر بعد سنتين كحد أقصى وحتى يستقيم العمل لابد من مساعدة هذا المراقب كي يحصل على استقلالية إدارية و مالية وخدماتية كاملة.
وأشار الحوراني إلى مشكلة أخرى تعانيها الرقابة الداخلية وهي أن اتساع حجم العمل يجعل ملاحقة جوانب الخلل تحتاج إلى فترة طويلة من الزمن وتتراكم القضايا في الهيئة أو الجهاز لسنوات طويلة لتصبح الملاحقة أصعب والتحقيق و التأكد والتثبيت يكاد يكون معدوما.