فقبل انعقاد اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الاثنين 26 كانون الثاني الماضي الذي كان مخصصاً لبحث التحرك الأوروبي على الساحة الشرق أوسطية قامت باريس بالدفاع عن شكل من الانفتاح على الحركة الإسلامية حماس ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الانفتاح لا يقود إلى إضعاف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وكان مساعد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فريدريك ديزانيو لم ينف ما ذكره رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عن أن لقاء حصل في دمشق بين مشعل وعضوي مجلس الشيوخ الفرنسي جان فرانسوا بونسيه ومونيك بنغيغ، بل إنه وصف ذلك اللقاء بأنه جرى بمبادرة مستقلة عن أي تكليف رسمي من الخارجية الفرنسية، ويعتبر بونسيه وزير خارجية أسبق، ويحتل منصب نائب لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وقد رافق بونسيه وبنغيغ إلى دمشق عضو آخر في مجلس الشيوخ هو فيليب ماريني، الذي يوصف بالمكلف من جانب الرئيس نيكولا ساركوزي بمهمة استطلاعية في الشرق الأوسط من دون أن يشكل جزءاً من فريق المستشارين الدبلوماسيين في قصر الإليزيه. اليوم هناك عدة عواصم أوروبية لا تريد أن تكرر سياسة عزل حركة حماس التي طبقتها الدول الأوروبية عقب فوزها في الانتخابات التشريعية في 26 كانون الثاني 2006 لأنها باتت تعتقد أن تلك السياسة لم تكن منتجة، وكانت اللجنة الرباعية قد حددت شروط الاعتراف بحركة حماس منذ سنتين، المتمثلة باعتراف حماس بإسرائيل والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية (اتفاقيات أوسلو) ونبذ العنف.
إذاً هناك بداية تحول في الموقف الفرنسي الرسمي من حركة حماس الذي بدأ يصنفها من الآن فصاعداً بـ المحاور حسب المصطلح الذي استخدمه وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير، ويركز الكي دورسيه وهي التسمية التي تطلق عادة على وزارة الخارجية منذ عدة أيام على واحد من الشروط الثلاثة المحددة لبدء حوار مع حماس ألا وهو نبذ العنف باعتباره العنصر الأساس، وبهذا الموقف تكون الخارجية الفرنسية قد سددت ضربة إضافية إلى جدار شروط اللجنة الرباعية التي تستبق في لقاء بـ حماس اعترافها بإسرائيل.
الدبلوماسية الفرنسية باختيارها لغة مرنة تجاه حماس تثير انزعاجاً مضاعفاً من الجانب الإسرائيلي، فالرئيس الفرنسي ساركوزي الذي يقدم نفسه كصديق لإسرائيل أشار عدة مرات إلى أن فرنسا لن تتساهل أبداً مع أمن الدولة اليهودية غير أنه من خلال إفساحه المجال للخارجية الفرنسية لكي تقوم بعملية انفتاح على الحركة الإسلامية إنما يضع العلاقات مع إسرائيل في وضعية حرجة.
وكان الرئيس الفرنسي منذ استلامه السلطة قبل سنتين حسب أنه مع إعطائه ضمانات لإسرائيل ومن خلال إقامة الثقة فإنه سيتمتع بهامش من المناورة لكي يعيد تموضع فرنسا في منطقة الشرق الأوسط وممارسة سياسة حضورها تحسباً لنتائج استئناف النشاط الدبلوماسي الأميركي في الشرق الأوسط من خلال جولة مبعوث الرئيس الأميركي جورج ميتشل الذي زار مصر وإسرائيل والأراضي الفلسطينية ولبنان.
فرنسا لا تتكلم رسمياً مع حماس لكنها ترسل برسائل إليها عن طريق الوسطاء، ويعتمد الرئيس ساركوزي في دبلوماسيته الشرق أوسطية على جهود الوساطة التي تبذلها بلدان مثل قطر وتركيا وسورية، ويعتقد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن الحرب على غزة يجب أن تشكل مناسبة لاستيلاد دولة فلسطينية خلال سنة 2009، لكن ذلك يتطلب أولاً إجراء مصالحة وطنية فلسطينية بين السلطة وحماس تشكل مدخلاً لتسهيل التعاطي مع حماس عبر الحكومة وليس كحركة.
> كاتب تونسي