ووصف ما يجري في غزة بأنه حرب إبادة تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية، وذهب إلى أبعد من ذلك، حينما قال: إن علاقة بلاده مع إسرائيل ليست أبدية..وإن جميع الخيارات مفتوحة أمام حكومته في علاقتها مع إسرائيل، وأغلق هاتفه في وجه أولمرت الملطخة يداه بدماء أطفال فلسطين ولبنان، وأعلن توقف بلاده عن رعاية المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل، ولم يكتف بذلك بل راح يسعى بكافة الطرق لإيقاف المجزرة، ويخاطب الضمير الغربي الذي مات لايقاظه تجاه ذلك، والأدهى من ذلك كله أنه قال بشجاعة: إن حماس لم تخطىء ولم تنتهك الهدنة مع إسرائيل..وفي مؤتمر أو منتدى دافوس الأخير احتج على أكاذيب بيريز وانسحب من المنتدى عندما لم يعط الوقت الكافي للرد على تلك الأكاذيب.
أما على المستوى الشعبي فقد كانت التظاهرات التي شهدتها تركيا خلال الحرب على غزة هي الأكبر تجاه أي قضية خارجية منذ زمن بعيد كما أكد بعض المتابعين للشأن السياسي التركي، لدرجة أن الشارع العربي أخذ يقول: «انظروا ماذا يفعل الأتراك»، «اسمعوا الخطاب السياسي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان».
بالطبع هذا الموقف التركي الايجابي من الحرب على غزة رسمياً وشعبياً جعل بعض الأوساط الغربية تنتقده مدعية أن تركيا بالغت في خطابها الرسمي والشعبي ونحن نقول طبعاً إن هذا النقد غير موضوعي وأصحابه متعاطفون مع قتل أطفال غزة.
لقاء هذا الموقف التركي المبدئي ماذا فعلت إسرائيل؟
ما إن انتهت الحرب على غزة حتى باشرت جماعات الضغط الصهيونية واليهودية في الولايات المتحدة الأميركية وحتى جماعة الضغط الإسرائيلية في الإعلام التركي نشاطاتها وتحركاتها المشبوهة للانتقام من رئيس الحكومة التركية «رجب طيب أردوغان» على مواقفه التي أشرنا إليها في مجال إدانته الشديدة للحرب الإسرائيلية ودفاعه عن الفلسطينيين وعن حركة حماس عندما وصفها بأنها حركة فلسطينية مهمة لا يمكن تجاهلها في أي حل مستقبلي، إذا ما أريد لهذا الحل أن يكون ناجحاً، وأنها جاءت إلى السلطة في غزة بعد انتخابات تشريعية نزيهة ولم تغتصبها اغتصاباً.
وإلى جانب بعض الأقلام التركية وهي قليلة جداً التي حاولت التهويل على أردوغان من عواقب وقوفه إلى جانب شعب غزة وانتقاده اللاذع لإسرائيل ومجزرتها البشعة في غزة، حصلت موجة من الاعتقالات الجديدة لأسماء بارزة في تركيا بعد اتهامها بإقامة علاقات مع منظمة أرغينيكون الهدف منها محاولة حرف أنظار الشعب التركي عما يجري في غزة بعد التضامن الواسع الذي أبداه طيلة أيام العدوان مع الشعب الفلسطيني وحركة حماس.
أما في الولايات المتحدة الأميركية فقد تحركت جماعات الضغط اليهودية والصهيونية بتنسيق كامل وملفت للنظر فيما بينها وبشكل مدروس، حيث وجه رؤساء خمس مجموعات ضغط يهودية رسالة مشتركة إلى رئيس الوزراء التركي «رجب طيب أردوغان» حمّلوه فيها مسؤولية الموجة الجديدة المعادية للسامية في تركيا حسب زعمهم مع مطالبته بالتحرك لوقفها، معربين عما أسموه القلق الجدي من هذه التطورات.
وهذه المنظمات الخمس هي: اللجنة اليهودية الأميركية، رابطة مناهضة التشهير، مؤتمر رؤساء الجمعيات اليهودية في الولايات المتحدة، بناي بيريث، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن الوطني.
والآن ماذا جاء في الرسالة المذكورة؟
جاء في الرسالة أن اليهود في الولايات المتحدة يعبرون عن قلقهم العميق جراء التظاهرات المعادية لليهود والمتعاظمة في تركيا، وقد خلقت هذه الأحداث لدينا انزعاجاً وحزماً، فقد أظهر المتظاهرون أمام القنصلية الإسرائيلية في اسطنبول كراهيتهم لليهود، وملأت الشعارات المعادية لليهود لوحات الإعلانات والمناشير في كل مكان من اسطنبول، هذا وعلى مقربة من جامعة اسطنبول لصق شبان على أحد المحال عبارة تقول: صاحب هذا المحل يهودي فلا تشتروا منه، كذلك هناك كنيس يهودي وحيد في مدينة ازمير تعرض لضغوط وصلت إلى درجة جعلته قريباً من نقطة الإغلاق، هذا ووصفت الرسالة الاعتصام الذي تم أمام ملعب كرة سلة في اسطنبول، حيث كان سيلعب فريق إسرائيلي بالمخيف، إذ انطلقت هتافات مدوية ومؤثرة منها: «فليخرج القتلة الإسرائيليون من فلسطين..الله أكبر»، الأمر الذي اضطر منظمو المباراة إلى إلغائها خوفاً من المضاعفات التي يمكن أن تقع وتعرض الفريق الإسرائيلي للخطر.
وجاء في رسالة الزعماء اليهود أيضاً ما يلي: «نحن لا نتفق مع سياسة حكومتكم في غزة، ولا مع تصريحاتكم الحادة جداً في الآونة الأخيرة..إننا نرى أن مسؤولية الصدام تقع على عاتق حماس، وإن إسرائيل مضطرة إلى الرد وممارسة حقها في الدفاع عن نفسها»، وادعت الرسالة أن معاداة السامية هي التي تكمن وراء هذا الموقف المعادي لإسرائيل والمؤيد للفلسطينيين في غزة، وأضافت أن اليهود في تركيا اليوم يشعرون بأنهم محاصرون ومعرضون للتهديد، واعتبرت الرسالة أن هناك صلة بين الخطاب الرسمي والخطاب المتنامي والمعادي للسامية في تركيا.
ومما يجدر ذكره أن شعار «معاداة السامية» يستخدمه اليهود والصهاينة بمثابة ذريعة لتنفيذ مآربهم والتغطية على أهدافهم وجرائمهم المدانة.
وانتهت الرسالة بالقول: «إن لتركيا دوراً مهماً في المنطقة..وإننا نولي أهمية كبيرة لصداقتنا القديمة والعميقة ولعلاقتنا مع حكومتكم وتبعاً لنظرتكم التي تعتبر أن العداء للسامية هو جريمة إنسانية نعلمكم بقلقنا العميق ونضعكم في صورة التطورات غير المريحة».
وفي تصريح لصحيفة «ميللييث» قال ابراهام فوكسمان رئيس رابطة مناهضة التشهير: «إن تركيا كانت صديقتنا ونحن كنا أصدقاء، وأنا لا أستطيع أن أصدق ما حصل..اليهود في تركيا تحت التهديد..اليهود في تركيا محاصرون ويشعرون بالخطر».
وهدد زعيم يهودي أميركي آخر بإعادة تمرير قانون «الإبادة الأرمنية في الكونغرس» من جهة أخرى قام رئيس البرلمان التركي بالتبرع بالدم من أجل جرحى غزة وأكد أن الأتراك سيتبرعون بدمائهم وأموالهم من أجل أهل غزة واصفاً هذه الخطوة بأنها «أضعف الإيمان»