هل بتنا ننتظر تحولاً في السياسة الأميركية بما يتجاوز حقبة بوش بكل مآسيها؟ وهل الجديد الذي أشار إليه أوباما في حملته الانتخابية وبعد فوزه بالرئاسة -على قلته- يتجاوز الشكليات إلى الجوهر أم أن الأمر سيقتصر على الجولات المكوكية والتقاط الصور التذكارية وتكرار فصول المفاوضات من أجل المفاوضات دون أي حلول على أرض الواقع؟!
قد تكون الإجابة باختصار هي من المبكر الحكم على المرحلة القادمة, وما قد يستجد فيها من جديد نظراً لأن الاستراتيجية الأميركية تجاه العديد من القضايا لا تتبدل جذرياً -وحتى جزئياً- مع تبدل الأشخاص والادارات مثل الالتزام بالأمن الاسرائيلي، وحماية المصالح الأميركية في المنطقة، لكن الشيء الذي لابد من ذكره أن أميركا باتت بحاجة فعلياً للتغيير بعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ألمت بها وبعد حربين في العراق وأفغانستان كبدتها مئات المليارات وأفقدتها آلاف الجنود من أبنائها وجعلت سمعتها الأخلاقية في الحضيض، كما أن التجربة الفاشلة التي خاضتها إدارة بوش مع الملف الفلسطيني تجعل الإدارة الجديدة مضطرة للتعامل مع القضية بأسلوب مختلف وإرادة جديدة لما فيه مصلحة الولايات المتحدة نفسها.
ولا شك أن التسريبات الإعلامية لخطط بوش ورايس الفاشلة تجاه الأوضاع في الأراضي الفلسطينية تعطي مؤشراً ودليلاً على أن العديد من المستشارين والصحفيين والمسؤولين الأميركيين في مراكز القرار يريدون الاستفادة من عبر تلك التجربة الفاشلة، والبحث عن بدائل جديدة وإن كانت إدارة أوباما لم تفصح بعد عن المدى بالتزامها في إيجاد حلول حقيقية في المنطقة.
فقد كشف الكاتب ديفيد روس في «فاينتي فير» كيف أن إدارة بوش أخفقت في الملف الفلسطيني وحاجة إدارة أوباما للاستفادة من دروس هذا الإخفاق حين ذكر في مقال له مؤخراً أن البيت الأبيض كان قد أخفق في توقع انتصار حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 وتورطه بعد ذلك في كارثة أخرى في المنطقة شبيهة إلى حد كبير بـ (ايران- كونترا) و(خليج الخنازير) لأنها لم تكن تتوقع فوز حماس المذكور.
وذكر روس عبر وثائق سرية أيدها الكثيرون في مراكز صنع القرار أن بوش ورايس واليوت أبرامز ساندوا قوة فلسطينية مسلحة بقيادة دحلان لإثارة حرب أهلية دموية خلفت وراءها حركة حماس وهي أكثر قوة من أي وقت مضى على عكس ما تشتهيه سفن الإدارة الأميركية المنصرفة.
ويؤكد روس أنه حصل على وثائق تتعلق بمبادرة صادق عليها بوش ونفذها أبرامز ورايس لإثارة الحرب الأهلية لكن الخطة كان لها مفعول عكسي فبدلاً من إقصاء حماس عن السلطة فقد فازت بالانتخابات وشكلت حكومة وطنية وفرضت سلطتها على قطاع غزة.
ويشير روس إلى أن كثيراً من المسؤولين الأميركيين وفي مقدمتهم دافيد فورمسر مستشار نائب الرئيس ديك تشيني أكدوا وبالوثائق تورط إدارة بوش بالحرب القذرة بين فتح وحماس وقالوا بأنها خطة خرقاء وفاشلة جعلت حلم السلام أبعد مما كان عليه من قبل وأن هناك انفصالاً عميقاً بين نداء بوش من أجل شرق أوسط ديمقراطي مزعوم وبين هذه السياسة واصفين إياها بالتناقض الواضح والمباشر.
وأخيراً يتساءل روس: كيف أمكن للولايات المتحدة أن تتعامل مع غزة بهذا الشكل الخاطىء؟ ومجيباً بأن السبب يعود إلى فشل الاستراتيجية ذاتها بالإضافة إلى الاعتماد على وسطاء فاشلين ولذلك فشلت خطتها رقم (ب) وما سمي بـ «خطة العمل للرئاسة في مواجهة حماس» وخطة «المسودة النهائية» فهل تستفيد إدارة أوباما من كل هذا الفشل والإخفاق بما يحقق انفراجاً حقيقياً في عملية السلام أم أن الأمور ستبقى تراوح في مكانها ؟!.