كانوا يتمرغون عند اقدام جابوتنسكي- تدلهاً وانتماء ويعتبرونه الأب الروحي ( أو العراب) الذي يبقى ( القائد الملهم) لهم، احزابا وشخصيات واتجاهات وعلى مر الزمن.
لقد أكدوا انهم ابناء بررة له. ما اثار الاستغراب انني لم أعد أجد أي فارق بين أي من المتحدثين- وهم يزايدون على جابوتنسكي. ولمن لايعرف كثيراً عن هذا اليهودي الصهيوني الروسي- الذي ولد عام 1880 وتوفي في عام 1960- فإنه كان المؤسس لعصابة ( الأرغون) التي بزت الهاغاناه والشتيرن- بالقتل والترويع واقتراف المجازر الدموية الرهيبة في معظم القرى الفلسطينية عامي 1947-1948.
وجابوتنسكي هو الاب المؤسس- كما يطلق عليه- لليكود. أي كان نتنياهو وحده من يحق له الحديث عن قيادة جابوتنسكي والاقتداء به- مع أنه القائل إن الدولة اليهودية هي التي يكون فيها اليهود ( أغلبية)- بينما يطرح الآن عدد كبير من قادة ( الكيان الصهيوني) ضرورة أن تكون ! دولة اليهود نقية ونظيفة- ولايوجد فيها أي مكان لغير اليهود- أي لا مكان فيها للمسيحيين ولا للمسلمين على الاطلاق.
كل هذا يمكن فهمه إن جاء الحديث من (شاس) أو ( من إسرائيل بيتنا) أو من ليبرمان شخصيا- لكن الغريب أو الطبيعي المخزون المضمون الذي اسفرت عنه الايام والاحداث هو ما جاء على لسان تسيبي ليفني من أنها تعتبر جابوتنسكي قائدها الملهم. عجباً إذا لماذا تقود هي حزباً آخر غير الليكود؟ لماذا ( كاديما)؟
وما الفرق إذاً بين أي حزب من الاحزاب الصهيونية والآخر منها؟ ماداموا جميعا يتبنون الشعارات ذاتها- ولقد زايدوا على بعضهم بالسعي الى القتل والتدمير في المحرقة التي أضرموها على اهلنا في قطاع غزة- فلماذا التصنيف القائل مثلا: إن الليكود يميني وإن شاس يميني متطرف- وإن العمل ( يساري) وإن كاديما وسط اليمين- وما تركوا أي جهة الا ووضعوا أحد احزابهم تحت اسمها.. ولكنهم جميعاً دون استثناء اعلنوا في اثناء المحرقة وبعدها انهم جميعاً ينهلون من المنهل ذاته يرضعون من الحليب ذاته- حتى إن جابوتنسكي يعتبر معتدلا قياسا إلى هؤلاء المزايدين الذين يريدون الفوز في الانتخابات الصهيونية القادمة وبقدر اهدارهم الدم الفلسطيني- للاطفال والنساء والشيوخ في القطاع وبقدر الكراهية التي فجروها ضد كل شيء فيه، بدءا من الانسان ووصولا إلى الشجر والحجر والحيوان والماء ايضا.
لكن لابد لنا من وقفة نتأمل فيها كل هذا الكم من الغضب وكل هذا الكم من اظهار الحقد على العرب جميعا وفي المقدم منهم شعبنا الفلسطيني، هل إن ذلك دليل قوة وثقة بالنفس؟ أم إنه على العكس تماما دليل خور وخوف وشعور بالاهتزاز وفقدان الثقة بالمستقبل.
المؤكد أن التطرف الذي صار يعلو على كل ما عداه في الكيان الصهيوني انما يكشف أن ثمة شعوراً بحتمية نهاية الدولة الصهيونية- التي قامت من نبت شيطاني وجذورها في ماء البحر فقط.
إن اعلان الانتماء لجابوتنسكي على هذا النحو، والمزايدة عليه وعلى بن غوريون وعلى كل ( قادة الحركة الصهيونية جعل هرتزل في المقام الأخير من التطرف وجعل حتى شارون في مكان أقل تطرفاً- بينما انتهت المسافات وتقلصت إلى حد الصفر بين احزاب العمل والليكود وكاديما ، وصارت المسافة بين حزب شاس واسرائيل بيتنا وتلك الاحزاب السابقة لاترى بالعين المجردة اطلاقاً. لماذا ؟ إن الاحساس بالنهاية الحتمية لوجود كيان ولد من خارج رحم التاريخ قد وحد كل الاتجاهات في داخل الكيان الصهيوني- وكشف عن المعدن الحقيقي للحركة الصهيونية المجرمة ووضعها وجها لوجه أمام المصير المحتوم.
ولن تستطيع ترهات وأماني تسيبي ليفني وتصنيفاتها للعرب والمنطقة على أنهم فريقان: الأول اسرائيل والسلطة وبعض العرب- والثاني دول الممانعة والحركات الإرهابية وايران لن تستطيع جعل عيونهم تنام قريرة. ما يقال ليس سوى مسكن سيزول أثره سريعاً جدا ويعود الوجع ليس إلى سابق عهده بل إلى ما هو أشد وأمرّ.
nawafabulhaija @yahoo.com