تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أحرقوا مؤلفــــاتهم ثــم نعوهــا..

ثقافة
الثلاثاء 10-2-2009م
هفاف ميهوب

ليس غريباً علينا أن نسمع بحرق المكتبات إنها ظاهرة قديمة لوحق فيها الكتاب وتعرض للاضطهاد مع مؤلفه وذلك بأمر السلطة أو الاحتلال ولأسباب غالباً ما تكون سياسية أو اجتماعية دينية أو اخلاقية مايجعل نهايته التمزيق والمحو والحرق والدفن..

إنه انتقام من الفكر ومن سيادة الحرف وسلطة الكلمة، هذا الانتقام وإن كان مبرراً من قبل السلطات والاحتلال الذي ماكان يخشى شيئاً مثل خشيته من تأثير الكتاب إلا أنه غير مبرر إذا كان من يقوم بإعدامه هو المؤلف نفسه أو أهله ومحبوه..‏

ولكن، كيف يهون على المؤلف أن يرمّد حصاده الفكري وتراث الإنسانية؟! بل ماالسبب الذي يجعله يخمد أنفاس خير صديق له ولأسرته ولأبنائه ومجتمعه؟!..‏

أتراها الثورة على الذات الضائعة في خضم الجهل حولها؟.. أهو الخوف أم الإحساس بامتهان الفكر والإبداع؟!‏

ربما هي أسباب شخصية لايمكن معرفتها إلا بقراءة التاريخ حيث ذاكرته مازالت تذرف رثاء الكتاب الذي حرق ولم يمت رماده..‏

بكل الأحوال، ومهما كانت الأسباب التي دفعت الكثير من العلماء والمؤلفين لحرق كتبهم بأنفسهم يبقى ما أقدموا عليه مثيراً للدهشة والغرابة والأسف.‏

نبدأ بأبي حيان التوحيدي الذي قام بإحراق كتبه في نهاية عمره لاعتقاده بعدم جدواها وبسبب خشيته ألا يعرف قدرها بعد موته- لكنه وبعد أن رمدها - رثاها كاتباً يقول: لي في إحراق الكتب أسوة بأئمة يقتدى بهم ويؤخذ بهديهم ومنهم أبو عمرو بن العلاء وهو من كبار العلماء، إضافة إلى أنه زاهد معروف دفن كتبه في باطن الأرض فلم يوجد لها أثر، وأيضاً داوود الطائي وهو من خيرة عباد الله زهداً وفقهاً طرح كتبه في البحر وقال يناجيها: كنت نعم الدليل لي.‏

يوسف بن أسباط اقترف جريمة أخرى بحق كتبه، ذلك عندما حملها إلى غار في جبل ورماها بداخله ثم سد بابه ولما عوتب على فعلته قال: دلنا العلم في الأول ثم كاد يضلنا في الثاني، فهجرناه لوجه من وصلناه، وكرهناه من أجل من أردناه..‏

إذا كان أبو سليمان الداراني قد تمنى الاحتراق بنار التنور الذي رمى بداخله كتبه، فإن سفيان الثوري تمنى بعد أن مزق ألف جزء من كتبه وطيرها في الهواء لو أن يده قطعت قبل أن يكتب حرفاً.‏

ومن العلماء الذين أحرقوا كتبهم أيضاً، أبو سعيد السيرافي الذي طلب من ابنه أن يحرقها بعد موته، ففعل ومثله عبيدة السلماني، وأبو قلابة، ويونس بن اسحاق والحسن البصري وعروة بن الزبير..‏

البعض كان له مذهب آخر في إعدام الكتب حيث أوصى شعبة بن الحجاج بأن تدفن كتبه معه فدفنت وهذا ما قام به أيضاً بشر الحافي الذي دفن ثمانية عشر صندوقاً من الكتب.‏

بعد كل هذا، وبعد أن رأينا أن هؤلاء العلماء ما أحرقوا كتبهم إلا لأسباب منها عدم التقدير والاحترام لهم ولفكرهم، إضافة إلى شعور البعض منهم بأن كتبهم باتت أشبه بسجون لفكرهم المطلق سجون أرادوا الهرب منها والانعتاق من دنيا الناس للدخول في عوالم من النسك والتقوى حيث حالات الانعتاق القصوى..‏

كانت ثورة غاضبة قام بها أصحاب الكتاب وعشاقه أرادوا الاندثار في حياة لم يجدوا معنى للفكر فيها، أتلفوا وأحرقوا تاريخ الإنسانية وهان عليهم ألا تستفيد الأجيال من علومهم وفلسفتهم وآفاق عقولهم، بل ما أرادوا لها أن تحصد الفكر يزهر بالكون والإنسان والبحار والحيوان والنبات والثرى رغم ذلك، وعلى قلة أعداد الكتب التي بقيت في تلك الأيام إلا أن الكتاب انتشر من بعدهم بطريقة جعلت العيون تنهل من سحر حبره. والفكر يزداد غنى سعى إليه الجميع فباتوا يستأجرون دكاكين الوراقين ليلاً للمطالعة، وهكذا إلى أن أعادت جهود العلماء والفلاسفة ورجال الفكر للكتاب سلطته وتراثه ومكانته ليبقى نعم الدليل وصلة الفكر والثقافة بين أبناء الإنسانية وعلى مر العصور والتاريخ.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية