تدور أحداث القصة في نيويورك أواخر القرن التاسع عشر، وتتحدث عن زوجين شابين فقيرين يكافحان في سبيل حياة كريمة تستحق أن تعاش، كان الزوج الشاب لايملك شيئاً ثميناً في الحياة إلا ساعة ثمينة ورثها عن جده، وكان يتمنى من كل قلبه لو تمكن من الحصول على سلسلة ذهبية لهذه الساعة،سلسلة من نوع السلسلة المعروضة في أحد متاجر شارع برودواي،الذي يمر فيه يومياً في طريقه إلى مقر عمله.
أما زوجته الشابة فكانت فقيرة مثله، ولم يكن عندها شيء ثمين تقتنيه اللهم إلا شعرها الحريري الناعم الملمس الذي ينسدل على ظهرها حتى مستوى الوركين.
وبالرغم من فقرهما كان الزوجان يعيشان بسعادة نسبية بفضل حب كل منهما للآخر وتعلقه به، ولكن مع مرور الزمن واقتراب عيد الميلاد بدأ كل منهما بالانشغال باختيار الهدية التي يليق أن يقدمها لشريكه وكيفية تدبير ثمنها، وبعد طول تفكير صمم الزوج الشاب على التضحية بأهم شيء يملكه في سبيل تقديم هدية مناسبة إلى زوجته، حيث باع ساعته الذهبية ليشتري لها ذلك المشط المرصع بالماس الذي رأته يوماً ما في أحد المتاجر وأبدت إعجابها به لتزيين شعرها، ولكن الغريب أن الزوجة الشابة لم تفرح بهذه الهدية ولم تسعد بها بل ارتمت بين ذراعي زوجها وهي تنشج ببكاء عنيف، وكانت تختلج بقوة إلى حد أسقط الشال الذي كانت تغطي به رأسها، وهال الزوج عندئذ أن يراها قد قصت شعرها الجميل، وفهم عندئذ أنها قد باعته لكي تشتري له سلسلة الساعة التي كان يحلم بها، وهكذا باع كل من الزوجين أغلى ما يملك في سبيل تقديم «لحظة سعادة» للآخر!
وظلت هذه القصة الناعمة في ذاكرتي حتى أوائل الستينيات حين أصبحت رئيساً لفرع الصحافة في إدارة الشؤون العامة والتوجيه المعنوي، حيث وقع بين يدي صدفة كتاب يتحدث عن القاص الأمريكي أو هنري وفيه هذه القصة الملخصة أعلاه بعنوان «هدايا المجوس» وكان الكتاب يحوي أيضاً جملة قصص قصيرة أذكر أنني نشرت اثنتين منهما في مجلة «الجندي» الأولى تحت عنوان «قدر ساخر» و الثانية تحت عنوان «الباب الأخضر» وهكذا كان لي بعض الفضل في التعريف بأدب أو هنري ومكانته كواحد من رواد كتابة القصة القصيرة في أمريكا، علماً بأن اسم أو هنري هو اسم مستعار له، حيث إن اسمه الحقيقي هو ويليام س. بورتر ومن يبحث في حياة أو هنري الشخصية يجدها غريبة بعض الشيء، فهو من مواليد ولاية كارولينا الشمالية وقضى طفولته الأولى فيها، ثم رحل إلى تكساس وعاش مع رعاة البقر، ومنها انتقل إلى مدينة نيويورك التي كانت تضم أربعة ملايين نسمة فقط وتستعد للانتقال من نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين.
وفي العمل الذي شغله في نيويورك أمين صندوق أحد البنوك ونتيجة لإهمال بسيط منه وسوء حظ تم اتهامه بفقدان مبلغ من المال، وتم زجه في السجن الفيدرالي تحت الرقم 30664، وكتب الجانب الأكبر من قصصه القصيرة أثناء قضاء فترة عقوبته في السجن،تزوج ويليام س، بورتر (أو هنري) مرتين:الأولى قبل دخوله إلى السجن، والثانية بعد خروجه منه ولم يبق من أولاده إلاإبنة واحدة تحمل اسم مرغريت بورتر وقد توفي عام 1910.
قصص أو هنري: إذا جاز لنا اعتبار قصص أنطون تشيخوف تعبر عن واقع المجتمع الروسي في زمن ما من حياته، وقصص جي ده موباسان مرآة للمجتمع الفرنسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فإن قصص أو هنري تعتبر سجلاً صادقاً للمجتمع الأمريكي، وخاصة مجتمع مدينة نيويورك في أوائل القرن العشرين.
وقصص أو هنري تفتقر جميعها إلى شيء من الأسلوب الفني في الصياغة، وهي أقرب إلى «الحكاية» منها إلى «القصة» في عناصرها الفنية المعروفة، وتلعب «العقدة» دوراً أساسياً في قصصه، وغالباً ما تأتي بشكل مفاجىء للقارىء، كما هي الحال في قصة «هدايا المجوس» التي عرضنا أحداثها أعلاه، وقصة «الباب الأخضر» أيضاًَ.
وتشكو هذه القصص أحياناً من شيء من السذاجة في البناء، حيث يعتمد أغلبها على عنصر المصادفة المحضة التي لاتزيد نسبة حدوثها عن واحد في الألف ومع هذا تعتمد عليهما القصة في حل عقدتها، وعلى سبيل المثال فإن بطل واحد من هذه القصص قضى وقتاً طويلاً في التفتيش عن صديقته القادمة من بلد بعيد ودون أن ينجح في ذلك ثم وجدها حين قرأ لائحة الأطباق التي يقدمها أحد المطاعم، حيث إن حرفاً معيناً فيها هو مكسور، وهو ذات الحرف الذي كان مكسوراً بشكل دائم في الآلة الطابعة التي تستخدمها الصديقة، والتي بدأ المطعم يستخدمها في طبع لوائح الطعام اليومية لديه!.
وفي ختام هذه الكلمة عن أو هنري يستحسن أن نشير إلى بعض أعماله التي ظهرت بالعربية:
تحت ترجمة أغلب قصص أو هنري إلى العربية في أواسط القرن الماضي من قبل دار نشر مصرية.
وفي الستينيات ظهرت بعض قصصه مصورة في فيلم من تمثيل تشارلز لاوتون (كان يشبه أو هنري في الشكل) تحت عنوان:
o,Henry full house
وتم عرض هذا الفيلم في سورية
كما أن الأديب السوري ثائر ديب ترجم له قصته الشهيرة «هدايا المجوس» التي لخصناها أعلاه تحت عنوان «هدايا عيد الميلاد».