وقد تعهد الحكام الجدد بتسليم السلطة إلى رئيس منتخب ديمقراطيا بمجرد توحيد البلاد، إلا أن الوضع المضطرب في مالي وسيطرة مقاتلي الطوارق على شمال البلاد، ووجود تنظيم القاعدة في ما يعرف ببلاد المغرب الإسلامي الذي ينشط بقوة في منطقة الصحراء المتاخمة لحدود مالي، أدى إلى إغراق البلاد في فوضى.
ويرى مراقبون أن السبب الرئيس وراء قيام الجيش المالي بالانقلاب، هو احتدام مشاعر الغضب في صفوف الجيش من أسلوب معالجة الحكومة للتمرد، الذي يقوده الطوارق والذي أودى بحياة عشرات من الناس وأجبر نحو 200 ألف من المدنيين على ترك ديارهم وكشف عن ضعف سيطرة باماكو على النصف الشمالي للبلاد، ومماطلتها في إحباط التمرد الذي تقوده قبائل الطوارق.
وقد أوضح محللون سياسيون أن زعماء الانقلاب سعوا إلى الاستفادة من السخط الشعبي بسبب تعامل توري مع تمرد يشنه بدو شماليون، إلا أن الانقلاب تعرض لمأزق، بعد تعرضه للعديد من الإدانات على المستوى الداخلي والخارجي.
فقد أدانت عشرة أحزاب بينها أكبر حزب بالبرلمان في بيان مشترك هذا الاستيلاء (على السلطة) بالقوة، والذي «يعد انتكاسة كبيرة لديمقراطيتنا» بحسب ما جاء في البيان.
وحول الموقف من الانقلاب العسكري في مالي، قال هاما حاج محمود من الجناح السياسي للحركة الوطنية لتحرير أزواد في العاصمة الموريتانية نواكشوط: إننا مستعدون للتفاوض، ولكن توجد شروط، وهي: لابد وأن يكون الرئيس راسخا وممثلا بشكل جيد وأن تقف الصفوة السياسية خلفه ولابد من حصولنا على ضمانات من القوى الكبرى في البلاد، موضحا أن الجماعة ليس لها طموحات أخرى أكثر من السيطرة على المناطق الشمالية الثلاث لمالي، والتي تقاتل الحركة الوطنية لتحرير أزواد لإقامة دولة مستقلة في الشمال.
وفجرت صحيفة إندبندنت البريطانية مفاجأة عندما أشارت إلى وجود تقارير إلى أن هؤلاء الضباط الذين قاموا بالانقلاب ينتمون إلى الطوارق، إلا أن طوارق الجنوب في مالي لا يؤيدون انفصال الشمال.
وندد الغرب بالانقلاب وطالب بالعودة الفورية للنظام الدستوري والحكومة المنتخبة برئاسة الرئيس تومانى، حيث إن هذا النظام يحظى بدعم الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الغربية، التي تعتبره نموذجًا للديمقراطية في غرب إفريقيا.
وقالت الصحيفة البريطانية: إن هذه الدول اتهمت نظام الرئيس توماني بالتقصير في مواجهة المسلحين، في حين كان النظام يطلب الإمدادات والمساعدات من الغرب، دون أن يستجيب له أحد والآن أصبحت المهمة صعبة على الغرب، الذي أصبح بين سندان «الانقلابيين» ومطرقة القاعدة والطوارق.
وعلى عكس التصريحات التي اعتبرت أن الانقلاب العسكري في مالي كان مفاجأة، قالت الحركة الوطنية لتحرير أزواد: إن الانقلاب العسكري الذي حدث «كان متوقعا نتيجة للأوضاع المتفجرة في الداخل وسوء العلاقة مع الخارج».
وقال رئيس المكتب السياسي للحركة محمود أغ عالي: إن حركته - التي تطالب باستقلال الأقاليم الأزوادية والتي تقود قتالا شرسا منذ أكثر من شهرين مع القوات المالية في الشمال - غير مهتمة كثيرا بما يجري في العاصمة باماكو بسبب انشغالها بما يصفه بحرب التحرير.
واستبعد رئيس المكتب السياسي للحركة أن يتمكن الانقلابيون الجدد من حسم الأمور سريعا في باماكو، ورجح اتجاه الأمور إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار داخل مالي خلال الأسابيع المقبلة، على غرار ما حدث في السنوات الماضية في ساحل العاج التي عانت من الاضطرابات الأمنية والسياسية لسنوات عديدة.
وشدد على أن حركته «ماضية في نضالها لتحرير كامل التراب الأزوادي بعد أن سيطرت حتى الآن على نحو 70% من أراضيه التي تمثل نحو ثلثي التراب المالي، وستواصل نهجها ذلك بغض النظر عمن يحكم مالي»، وطالب العالم الخارجي - ودول الجوار بشكل خاص- « بتفهم مطالب الشعب الأزوادي في تقرير المصير وإنهاء الظلم والمعاناة التي واجهها طيلة العقود الماضية».
وتتسارع الاستعدادات لتدخل عسكري في شمال مالي في المنطقة الشاسعة التي تغطي الصحراء الجزء الأكبر منها، منذ نهاية حزيران الماضي لسيطرة جماعات مسلحة متحالفة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتدعو إلى تطبيق صارم للشريعة في سائر أرجاء البلاد.
وقد سقط شمالي مالي في أيدي الجماعات الإسلامية المسلحة التي استغلت الانقلاب العسكري، وأخرجت حلفاءها السابقين في الحركة الوطنية لتحرير أزواد (متمردون طوارق) ومنها:
- تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المنشق عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، وقد أعلن ولاءه لشبكة القاعدة وله قواعد في شمال مالي حيث ينفذ بشكل منتظم هجمات وعمليات خطف في بلدان عدة بمنطقة الساحل جنوب الصحراء الكبرى.
- جماعة أنصار الدين ومعقلها في مدينة كيدال ومنطقتها (شمال شرق)ويقودها إياد آغ غالي، العسكري السابق وأحد القادة السابقين لحركة تمرد الطوارق في التسعينيات، وقد ظهرت هذه الجماعة إلى الملأ هذا العام، وتضم مقاتلين كانوا أعضاء ناشطين في الفرع المغاربي للقاعدة، وهذه الجماعة ولا تطالب بحكم ذاتي في الشمال خلافا للحركة الوطنية لتحرير ازواد (متمردو الطوارق).
- جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وتدعو هذه الجماعة التي وصفت لفترة طويلة بأنها منشقة عن تنظيم القاعدة، وقد تبنت عمليات خطف في غاو (شمال شرق) والتي أيضا أعلنت كذلك مسؤوليتها عن اعتداءات عدة على قوات الأمن الجزائرية، هي تحكم سيطرتها على غاو بعد طرد الحركة الوطنية لتحرير أزواد من المدينة أواخر حزيران الماضي إثر معارك عنيفة وكشف تنظيم القاعدة مشاركته في تلك الاشتباكات وتدخله ضد الحركة الوطنية لتحرير أزواد.
وقد انشق الاسود الوحيد من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الذي يقود كتيبة مقاتلة في جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وعاد مؤخرا إلى بلاده النيجر، وندد بالأنشطة الإجرامية لقادة جماعة التوحيد.
ويحتجز تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تسعة أوروبيين بينهم ستة فرنسيين، وتحتجز جماعة التوحيد والجهاد ثلاثة رهائن جزائريين على الأقل، وتفيد شهادات أكدها مصدر امني مالي عن وصول مئات من الإرهابيين الأجانب ـ بينهم أوروبيون ـ مستعدون للقتال إلى جانب الجماعات الإسلامية في حال تدخل عسكري دولي، ونفت جماعة التوحيد والجهاد هذا الأمر.
وأشار المحللون إلى أن هذا الانقلاب سيكون لها آثاره السلبية على المستوى القريب على جنوب مالي، والتي بدأت بالفعل مجموعة من متمردي الطوارق الزحف عليه لاحتلال المواقع التي جلت عنها القوات الحكومية، وذلك في محاولة للاستفادة من الاضطرابات في العاصمة البعيدة، وليتبع ذلك تدخلا عسكريا فرنسيا في مالي تدعمه الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، يبدأ دون معرفة متى سينتهي وما سيتمخض عنه من تداعيات؟.