ومثله لايمكن أن تتشكل لمرة واحدة وتدخل في حقل المطلقات فهي إذاً وعي اجتماعي سياسي تاريخي يتحول، ويتبدل كلما زاد فيها الاتجاه الإيجابي أو نقص هذا الاتجاه وتراجع ومن الطبيعي أن عريكة الشعب الوطنية كلما تمّ التمكين لها، وتمت تقوية المناعة الوطنية كانت الضمانات أقوى والمناعة المقاومة أشد والمعلوم في تاريخ الأمم أن خندق القيم العليا فيها هو المستهدف بالهجوم المعادي أولاً وفتح الثغرة في هذا الخندق هو الذي يهيئ للأعداء أن يضعوا القدم الأولى في معركة دخول البلد المعني وتدميره من الداخل أما حين تكون جبهة القيم العليا حصينة، وخندقها قوياً متماسكاً فسوف تتكسّر عليه إرادة الأعداء ومناحي مخططاتهم المعادية .
والمعروف في تواريخ البشرية أن حالات الصراع لاتنتهي وبقدر ماتمرّ تواريخ يسود فيها التوازن في علاقات الناس لابد أن تأتي أزمنة يختل فيها هذا التوازن وتصطرع الناس داخل أوطانها أو مابينها وبين الآخر.
وماينبىء به تاريخ الصراعات لم يعطنا أن مشفى قد استهدف ، ومدرسة ، وروضة طفل ، ومنازل عجزة، ولم يكن في مخططات المتصارعين في الداخل قطع الماء، والكهرباء، والغاز، والوقود، والخبز ، وأسباب الحياة هذا من ناحية ومن الناحية الثانية لم تحتل داخل الذات الوطنية منظومة القيم التي كانت ومازالت تبقي حدوداً لايجوز تخطيها في كل أشكال الصراع وهنا تحدث دوماً عملية فرز بين المعنيين بالمواجهات وبين غيرهم ثم بين مايبقى في إطار الوطني ومايخرج عنه وماهو إنساني ، وغير إنساني وأخيراً بين ماهو أخلاقي ومايخرج عن حدود الأخلاق أما حين يخطط لنسف هذه المعايير حتى في الحوار قبل أرض الصراع وتصبح أحاديث الوقوف مع العدو ضد الوطن تعتبر وجهة نظر ولم تعد قضية خيانة بل ينتفي مفهوم خيانة الوطن ليسمح بالتوغل في ميكافيلية مقيتة ولو تم فيها تدمير الوطن حضارة ودولة ومجتمعاً ولو عدنا معاً إلى المرحلة الرعوية فههنا نصبح جميعاً أمام ضرورات المراجعة الوطنية النقدية لمحاولة التصحيح والتصويب لما تم اختراقنا ولما يجب ألا يشيع في قلوبنا وعقولنا باعتبار أن وعي الذات السليم لذاتها وللآخر هو جسر العبور الذي ينقلنا إلى شاطىء السلامة والأمان ولندرك جميعاً أن تخطي كل العقبات الوطنية والولوج إلى مغايرات لايقرها عقل ولايسوغها منطق تحت مسمى الآنية والتحقيق المباشر لأهداف وعدم احتساب العاقبة هو الذي يدخل الناس في نفق المجهول ومهما بدت الأضاليل بأنها جاذبة علينا أن نسقط دوماً إلى ماوراء الظاهر منها حتى نكتشف العناصر الداخلية وتوظيفها المبدئي لصالح من وعند تحقيق الاطمئنان نطمئن وحين نكتشف الخطر يجب أن نرفض ومن قريب ماأصبحنا نواجهه يومياً في الحوارات أن عقلاً يصر علي عدم استخدام لغة العقل واتجاهاً لايملك بوصلة ويدعي سلامة المسير وذهناً مملوءاً بالتبعية ويراك أنت التابع ومنطقاً يستبعد الصديق التاريخي والعدو التاريخي ليقدم لك صورة من التوجه لاتخدم سوى إسرائيل والصهيونية.
نعم علينا أن نعتر ف أن الذين خططوا ضدنا من الحلف الأمرو الأوروصهيوني قد تمكنوا من تحقيق هزة في قيمنا العليا كي يجعلونا نتفارق في الوطنية والسياسة والأهداف والثوابت وقد تمكنوا من إشاعة تطرف وتعصب وإنغلاق في بعض الأذهان السورية التي عبر تاريخها كانت تتصف بالتفتح والتنور والمعاضدة لم يعد للحوار اليوم أقنية محسومة حتى نقول إن دخلت في هذه القناة فأنت واصل إلى الوطن و في الأخرى سوف تصل إلى أرض الأعداء والأخطر إننا أصبحنا مضطرين لأن نعيد تربيتنا بالمفردات الوطنية الأولية لكون الثوابت في التربية الوطنية والسياسية قد اهتزت والبعض منا يساهم في هذا الاهتزاز ويستدعيه بغير قلق وطني وفي مجرى كل ذلك ألا تخشى على التكوين الوطني لنا جميعاً حين لم تعد تنظم عقدنا الثوابت الوطنية؟! ألا تخشى على الوطن حين نقبل بتدمير قيمه العليا ونحاول أن نقف في خانة الأعداء ضده ؟لماذا يصرّ البعض على تطمين إسرائيل على مستقبلها فيما لو صار صاحب النظام السياسي في البلد المعني ولايصر على تطمين شعبه على لقمة عيشه؟ إن من وضع المواطنين السوريين في حالة اقتصادية صعبة، وحالة أمنية صعبة ، وطردهم من بيوتهم أو اغتصب محرماتهم أو دمر لهم طرق الانتقال وراء رزقهم هل يعمل من أجلهم؟ وهل يعدهم بالقادم الأفضل حين صار الأفضل عن الشعب السوري أن لو بقي على ماكان عليه من استقرار وأمن وتنمية وبناء ولم تكن له إي حاجة بما حصل عليه ، وعلى وطنه وبعد سنتين تقريباً على وضع الوطن والشعب بهذا الذي نوهنا إليه ألم تستدعينا بقية قيم عليا فينا لأن نأتي إلى طاولة حوار وصار المنهج السياسي التشاركي والتعددي والتداولي واضحاً في البرنامج السياسي الذي طرحته الدولة مؤخراً ؟فلم يعد إلا الاتفاق على بدء طاولة الحوار وإقرار الميثاق الوطني والدخول في حكومة الوحدة الوطنية وفي مرحلة المصالحة وإعادة بناء ماتهدم ثم العفو والتسامح ثم الوصول إلى كافة المؤسسات الشعبية الديمقراطية التي فيها الدولة التي نتطلع إليها جميعاً.