حياة تنبض من حولنا بكل الرعشات.. فراشات تنسكب من أجنحتها كل الألوان.. وأجنحة تخفق في سمائنا في كل الاتجاهات.
كيف كانت الأرض.. أرضنا.. وكيف غدت؟.. جمال بريء يتلامع فوق كوكب أزرق.. كانت أرضنا.. وتلوث من كل الأنواع أصبح يحاصرنا. ماذا فعل الإنسان بهذا الكوكب الجميل حتى أصبحت الطيور تغادرنا؟
حضارتنا.. وتفوقنا العلمي والتكنولوجي كانا ومازالا في خدمتنا.. من أجل رفاهيتنا.. وفي سبيل هنائنا وسعادتنا.. ولكن أين هو فرحنا الآن؟.. أليست أرضنا هي منبع فرحنا الأول بكل ما تزدهر به من نبات وحيوان وبحار وجبال وعجائب لا حصر لها؟
والإنسان.. ما الإنسان إذا لم يرع هذا الكوكب بكل الحب والحنان!!.. لا.. الإنسان أفسده.. وافقده كثيراً من مميزاته.. فكم وكم من الأجناس الحية انقرضت أو هي في سبيلها الى الانقراض.. وكم من الأخطاء ارتكبت باسم التطور والتقدم العلميين.. وها هي أخطاؤنا تصل الى حدود السماء.. فتثقب غلاف الجو من حولنا.. وتهدد حتى طيور الأرض بالزوال. ترى هل كنا نحسب حساباً لكل هذا عندما تسارعت علومنا واكتشافاتنا؟ هل كنا نعرف أننا سنصل يوماً الى عالم لا تطير في سمائه إلا طائراتنا ومركباتنا؟
(ابيكار).. يا صاحب الجناحين الشمعيين الذائبين تحت حرارة شمسنا.. كنت تحلم باختراق السماء كطائر حر.. وزميلك الآخر (عباس بن فرناس) كان يحلم أيضاً بأن يحلق في السماء بجناحين من ريش صنعهما.. أما نحن فقد تجاوزنا تجربتكما بمسافات ومسافات وأصبحت طائراتنا النفاثة أسرع من صوتكما الذي وصل إلينا عبر التاريخ.. ولكننا مع كل هذا نسينا أن كل طائر يطير هو بشرى لنا.. منه استلهمنا فكرة الطيران بما تحمله من انطلاق وحرية.. ومعه كنا نبعث برسائلنا.. وكلماتنا تغادرنا مع أجنحته لتحط في مكان آخر.. حمام زاجل يطير في كل مكان.. يحمل معه الأخبار والأسرار.
هذه الطيور ذاتها التي كانت مصدر الهام لنا حتى في فنوننا من رسم وموسيقى وكلمة جميلة.. وحتى تلك البجعات البيضاء التي كانت تتهادى مع ألحاننا فوق صفحة الماء.. هي وغيرها أصبحت مصدر خوف ورعب من أن تحمل لنا الأمراض بعد أن أصيبت بها.. يا للمفارقة المحزنة.
مرض يسمونه بأنفلونزا الطيور أصبحنا نعرفه ونخافه.. ونعدم من أجل التخلص منه ملايين الملايين من الطيور البريئة التي لا ذنب لها سوى أنها أصيبت بمرض نحن السبب فيه. مرض يسافر في أرضنا من مكان الى مكان.. تنقله طيور مهاجرة لا سيطرة لنا عليها فيحط بيننا أينما حطت تلك الطيور المريضة ليجلب لنا الموت والشقاء.
مَنْ صبغ أجنحة النوارس البيضاء بالأسود اللزج سوى بحارنا الملوثة بالنفط.. ومَنْ لوث سماءنا الصافية بالدخان القاتم سوى مصانعنا المتكاثرة يوماً بعد يوم وهي تنفث غازاتها السامة الضارة.. ومن أطعم الطيور والحيوانات تلك المواد المصنعة والأعلاف التي اختلطت بها المواد العضوية بالأخرى البشرية؟.. نعم كل هذا فعلناه بل أكثر من هذا.
فلنترفق بعد الآن بتلك الطيور المسكينة.. ألا ننفق على سفن الفضاء والاختراعات التي وصلت الى السماء مليارات المليارات؟.. فلماذا لا نكرس كل جهودنا لنصون من بقي سليماً من تلك الطيور فنعتني بكل واحد منها ونعاملها كما لو أنها أطفال لنا.. ولو لم تكن كذلك فهي أطفال السماء.. فلا نقذف بها الى جحيم الموت والعدم.. ولنستغفر لذنبنا مادمنا نعرف انه خطؤنا.
لا نريد سماءً بلا طيور.. ولا نريد عالماً لا نسمع فيه زقزقة العصافير.. ولا فجراً يغيب عن التسبيح فيه صوت لا نفقه تسبيحه.. بل نريد عالماً نظيفاً صافية سماؤه.. نقية أجواؤه.. سعيدة مخلوقاته.