بحث عن اللغة الشعرية عند بدوي الجبل, ومصادرها, وموقفه من الشعر الجديد وعن تجربته الشعرية قال بشارة الخوري: «إن الشعراء في سورية كأصابع الكف الواحدة عدداً وحجماً وبدوي الجبل إحدى هذه الأصابع, في نفسه شاعران إذا انتصر أحدهما للقديم اعترضه نصير الجديد, فما خرجت القصيدة من نفسه إلا وعليها طابع الشاعرين».
وبحث آخر عن المعلم الثاني أبو نصر الفارابي: الذي ترك للمكتبة العربية وللفكر الإنساني تراثاً ضخماً يربو على مئة كتاب انتهى إلينا بعضها, ونال بعض منها حظه من النشر والتحقيق, ورقد بعض منها في خزائن مكتبات العالم يكسوه غبار الزمن وتجسم علية يد النسيان, وأكثر تراثه عدت عليه العوادي, وطواه الدهر فيما طوى من ذخائر.
وهي آثار منبئة عن مشاركته في علوم شتى: الفلسفة, والمنطق, وعلم الطبيعة, وما بعد الطبيعة, وعلم الموسيقا, والسياسة, والأخلاق, والخطابة, والشعر, والرياضيات, والكيمياء.
للفارابي معرفة بالعربية والتركية والفارسية واليونانية, وله نثر فني بديع, وشعر رقيق مستجاد وإن غلب عليه ثقل العقل أحياناً.
وتضمن الكتاب بحثاً عن الملاحظات العامة على لغة (عمر) النص الشعرية, الذي يملك لغة سمحة دفاقة مطواعة فيها جدة وأصالة شحنت بدلالات الألم والوحشة والعالم الشعري الموار بالأحلام الطافح بالرؤى, إنها لغة نابضة بالمجازات التي تشي باندماج الشاعر بكل مفردات الكون: الليل والشجر والسراب والماء والحلم, لقد اجتلب إلى شعره كل ما يتناغم مع طغيان الوحشة والغربة التي تعصف بروحه,ليس له رصيف يصغي إليه, ولا نديم يعي شجنه وألمه, إنها غربة شعر بها بشار والمتنبي وأبو سليمان الخطابي.
وتوقف الكاتب مطولاً عند التجربة الشعرية للشاعرة فتاة غسان (فاطمة سليمان الأحمد) التي تنحدر من أسرة يصدر الشعر عنها كما يصدر العطر من الورد, ويطاوعها القول كما يطاوع النسيم الأنف.
وفاطمة واحدة من أولئك الذين بسط الله لهم في البيان بسطا, وأجزل لها رزقا من القول الدفاق والكلام البليغ, ودمث لها درب الشعر, ووطأ لها الأكناف, فجاء شعرها سلساً عذباً أنيساً يحدث ما يشبه السحر في شغاف القلب, وما جبلت عليه الشاعرة فاطمة من سمو في الروح, وعلو في الهمة, ورفعة في النزعة الانسانية, وغيرية تفنيها لينهض من حولها, وما اجتمع لها من مخزون وافر من الشعر العربي القديم الذي كان أساطينه ماثلين في مخيلتها لحظة ما يقتدح الشعر زناده يريد الخروج من النور إلى النور, وما ورثته من موهبة الشعر من أبيها ظهر في شعرها وتحول أريجا يتضوع سحره في الزمان, آلمها الواقع المزري للمرأة العربية, فدعت إلى تخليص المرأة من براثن التخلف وأنياب الجهل, وينبغي أن تخرج إلى الحياة لتشارك في بنيانها, لا أن تظل حبيسة الجدران, حيث التقت في هذه الدعوة مع دعوة شاعر النيل حافظ إبراهيم.
هذا الكتاب يضيء على جوانب متعددة لاعلام في الشعر والثقافة والفكر, حيث يقدم جرعة طيبة المذاق لكل المهتمين والمولعين في الشعر والفكر والمعرفة, فالكاتب الدكتور محمد عبدالله قاسم بذل جهداً كبيراً في البحث والتنقيب للوصول إلى هذه الورود العطرة ونشر شذاها للمتابعين والقراء.