تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لين البطل في صالة المدّرس... إيقــــاع غرائبـــي وزخرفـي..

ثقافة
21-2-2020
أديب مخزوم

تطرح الفنانة لين البطل في لوحات معرضها، الذي أقامته في صالة فاتح المدرس، عناصر تشكيلية مبسطة ومختصرة تبدو قادمة من أزمنة قديمة وحديثة في آن, فهي في لوحاتها تعلن رغبتها في تحريف الوجوه والأجساد والبيوت واختصار عناصرها ومفرداتها،

بحيث تتحول أحيانا إلى حركات مبسطة، وهي غالباً ما تدمج بين الأجواء التعبيرية والرمزية من خلال استحضار المزيد من الإشارات والعناصر الزخرفية والتاريخية, بما فيها من تداعيات ميثولوجية وأسطورية، تبدو وكأنها قادمة من فسحات الأزمنة الغابرة في فجر التاريخ.‏

تنقيط المساحة‏

وهذا يعني أن اللوحات التي تقدمها في تجربتها الفنية تبدو آتية من التراث الحضاري, ومن عصور غابرة, رغم أنها تعتمد على تقنيات لونية تجمع بين المدارس والاتجاهات والتيارات، التي سادت الفنون العالمية في مرحلة ما بعد إطلاق المفاهيم الجمالية الحديثة، التي غيرت مفهوم الفن الأوروبي وقلبته رأساً على عقب، في مرحلة ما بعد إطلاق الموجة التكعيبية على يد بيكاسو وبراك.‏

ولقد تعزز خطها الأسلوبي الذي تبحث عنه بشكل يومي ومتواصل وأدى إلى نوع من تحقيق العنصر الذاتي، في خطوات إيجاد الركائز والمنطلقات والهواجس الفنية. وهي إلى جانب الهموم الفنية التشكيلية والتقنية التي تعيشها, تطرح اللوحة الملتزمة بقضية الإنسان وبواقع الأمكنة المصابة بلعنة الحروب التي لا تنتهي، من خلال حيونة الإنسان أو أنسة الحيوان أو من خلال إعادته الى بدائيته الأولى.‏

ولين تجنح نحو تأكيد الاشارات الزخرفية والتنقيط داخل العناصر الإنسانية التعبيرية والرمزية والغرائبية، وهذا يفيد أن المسافة الإبداعية، التي قطعتها في مجال صياغة اللوحة الخاصة بها، حيث تتحول الأشكال إلى ملامح مبسطة تدل على عفوية في التعامل مع أشكال الواقع والزخارف، المنفلتة من الرزانة والصرامة والدقة الرياضية الباردة، ولهذا نجد أنفسنا في لوحاتها أمام تبسيط في صياغة الوجوه والأجساد و الأطراف.‏

رقابة عقلانية‏

وهي تبتعد عن الصراخ والعنف اللوني، وتدخلنا في الإيقاع الهادئ للمساحات اللونية، وتضعنا عند حدود حساسة في التشكيل البصري، والحضور اللوني المرتكز على الرقابة العقلانية، التي تنطلق من هاجس كسر السياق التصويري الواقعي وأفقيته.‏

هكذا نرى خطوطاً ومسطحات لونية متعاقبة تنسجم أو تتباين لتعكس التوترات الخفية والعلنية للون بانسجامه وتناقضه، ففي لوحاتها الإحساس باللون هو الأسلوب، لذلك نجد النظام الأسلوبي يرتكز على مساحات وبقع وحركات حلزونية ودوائر ولمسات تتراكم فوق بعضها أحياناً وتشف أحياناً أخرى، وهي في ذلك تتبع تقلبات المشاعر والأحاسيس.‏

ومع تشكيلاتها المستوحاة من علاقتها المباشرة وغير المباشرة مع البقية الباقية من جمالية المدينة القديمة، أرادت توجيه تحية إلى الجماليات الهندسية المترسخة في البنى المعمارية القديمة.‏

والشكل الانساني على سبيل المثال يتحول من حالة إلى حالة، في ظل الاقتراب أو الابتعاد عن الصياغة التعبيرية. فهي أحياناً تميل إلى التعبيرية التي تحافظ على بعض إشارات الشكل أو المشهد، وأحياناً أخرى تزاوج بين مؤشرات العناصر العفوية المثبتة في جزئيات اللوحة، وبين مؤشرات التجريد اللوني الذي يظهر في بعض أجزاء اللوحة، ومن خلال هذا التداخل بين مؤشرات الأشكال المنظورة والعناصر اللونية التجريدية، تصل إلى مساحات متجاورة ومتداخلة, تأتي على هيئة إيقاعات بصرية, وتتجه نحو لغة التلميح, القادر على اختصار العناصر إلى أقصى حد, كما تركز أكثر على إظهار الزخرفة الشرقية في خلفية اللوحات وفضاءاتها.‏

السهل الممتنع‏

ورغم أن لين البطل تحرك الخطوط بتلقائية، فإن ذلك لا يمنع من رؤية أرضية اللوحة منفذة بعفوية أقل وبانضباط أكثر، إذ يمكننا الانتباه إلى مساحات لونية صافية في أماكن كثيرة من أرضية اللوحة, وبكلمة أخرى فإن الخلفية الخافتة أو الغامقة للون، والتي تحافظ على هدوئها، تسعى في الوقت نفسه إلى تحقيق رغبة بارزة للفنانة في إطلاق المساحة نحو الصياغة الزخرفية، التي تحد من الصفاء اللوني في المساحات الواسعة.‏

هكذا تبدو اللوحة مفتوحة على معالجات لونية بمادة الأكريليك, هادئة وصافية لكن نظرنا لا يلبث أن يتجه نحو حركة طليقة للخط والرؤى الشكلية الرمزية والزخرفية، وتصل في أحيان أخرى إلى صياغة تعبيرية طفولية وبدائية عبر الحركات والاختصارات المرسومة بالمختصر المفيد أو بالسهل الممتنع‏

وهذا يعني أن ما تقدمه ينطلق لحل معضلة صعبة تكمن في المزاوجة بين الارتجال الطفولي، والصياغة العفوية الواعية، التي تحمل أصداء البحث عن أسلوب فني خاص يتجه أكثر إلى غلبة روح الزخرفية المتحررة، التي تكسر نظام الزخرفة التقليدية أو تكسر السياق الهندسي الصارم الذي نجده في الزخرفة الشرقية عموماً‏

وتبرز في لوحاتها أحياناً شاعرية بصرية، تتأتى من منهجها أو من طريقتها الخاصة في معالجة المساحات اللونية, وتطويع التقنيات من منطلق إظهار خصوصية أسلوبية، لا بد أن نشعر بها بمجرد ان نلقي نظرة واحدة على اعمالها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية