نجد الرئيس الأميركي باراك بن حسين أوباما , وقد انفرد خارج السرب الغربي , متصرفاً على نحو يبدو معه وكأنه لا يعبأ بما يهدد الأوروبيين . ولعل أجهزة مخابراته طمأنته الى أن الإرهاب الذي وصل الى أوروبا الغربية لن يصل الى أمريكا في زمن منظور , أو لعلها – وهذا هو الأرجح – قد طمأنته الى أنها تمسك بناصية الإرهاب والإرهابيين , وتستطيع التحكم بهم في كل حين . فهم أداتها الضاربة ووسيلتها المختارة لتحقيق أحلام من يدّعون أنهم « الشعب المختار » .
لقد كان من السهل على باراك أوباما أن يغيّر دينه , أو بتعبير آخر , أن يرتدّ عن دينه , لكنه ليس من السهل عليه , بل ومن المستحيل , أن يخذل الشيطان الصهيوني الذي كلفه بمهمة العمل على خلق الظروف الفوضوية التي من شأنها أن تمكن إسرائيل من التوسع بين الفرات والنيل , وبغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تترتب على هذه المنحاولة , ومن بينها أن تغرق أوروبا في الدم والنار , وأن يحل بها الخراب والدمار .
لقد خرج البيت الأبيض بعد « غزوة باريس » ليعلن بكل بجاحة أن الولايات المتحدة ترتب مع عدد من الدول لتقديم أسلحة إضافية لما يزعم أنها معارضة سورية , في الوقت الذي عكف فيه الأوروبيون المفجوعون بـ « غزوة باريس » والخائفين من غزوات لاحقة على إحصاء عدد إرهابييهم الذين ذهبوا الى سورية ليمثلوا دور المعارضة الكذوب في بلد بالنسبة لهم غريب , وفي الوقت الذي تنشر فيه الأرقام عن عشرات آلاف الإرهابيين الأجانب الأغراب الذين زجتهم المخابرات الأمريكية للمشاركة في حربها غير المباشرة على سورية , وكأن البيت الأبيض يقول للأوروبيين : « كلوها عن فم ساكت !!» ولا تفتحوا أفواهكم ! ولا تنبثوا ببنت شفة ! فما لحق بكم هو جزءٌ من مخاطر الحرب عليكم أن تتحملوه بصمت وألا تفكروا بالاحتجاج ! . والغريب أنه حتى حكومة فرنسا التي يفترض أنها مكلومة انحنت أمام الأوامر الأمريكية , وأعلنت بدورها عن النية في إرسال المزيد من الأسلحة الى من تدّعي أنها معارضة سورية في ذات الوقت الذي تتحدث فيه عن محاربة داعش . وهذا يعني أنها ستحارب طرفاً من الإرهابيين بيد وستساعد طرفاً آخر من الإرهابيين باليد الأخرى , فيما يمثل انفصاماً في الشخصية لا يمكن فهمه إلا في ضوء الإحاطة بحقيقة المؤامرة الشيطانية الصهيونية التي تعكف على تنفيذها الإدارة الأمريكية وكل الأطراف التابعة لها في العالم .
إن أوباما مصمّمٌ على أن يستمر في أداء دور البلطجي إرضاءً للطاغوت الصهيوني , فنجده يقول بأنه لن نتمكن من القضاء على داعش في سوريا قبل تسوية سياسية , مقرّاً بذلك أنه هو من يقف وراء وجود داعش ووراء استثمارها , وأن حربه المزعومة عليها هي مجرد أكذوبة من أكاذيبه , وأنه يحاول الإبقاء على داعش لتكون أداة ابتزاز في يده . ثم نجده يتوجه الى إيران وروسيا ليقول بأن عليهما الخيار بين دعم الرئيس الأسد وبين الحفاظ على الدولة السورية . وهنا يكشف أوباما المرتدّ عن وجهه القبيح كمنفذٍ لمخطط الشيطان الصهيوني . فخلفية كلامه أكثر من واضحة , وهي أنه من يقف وراء المخطط المعتمد على الإرهابيين والمرتزقة ومن في حكمهم من أتباعه الصاغرين , وأن غايته هي تقويض الدولة السورية . وبالتالي , فإن أوباما يمارس دجلاً مكشوفاً غايته من ورائه تبرير استمراره في دعم الإرهاب داعشياً كان هذا الإرهاب أو غير داعشي .
إن أوباما الذي يحاول تقويض الدولة السورية بالاعتماد على عصابات الإرهابيين التكفيريين , لا يستهدف سورية وحدها , بل يستهدف منطقة الشرق الأوسط ككل , حيث يريد بلورة أو تشكيل ما يسمّيه بالشرق الأوسط الجديد , على أن يأتي هذا الشرق الأوسط من خلال جعل الفوضى تسود هذا الشرق الأوسط ، أن مأساة أوباما الآن تكمن في الحقيقة القائلة بأن الدول التي يهددها خطر الإرهاب , وتجد من مصلحتها ومن واجبها محاربة هذا الإرهاب , هي الآن في تزايد . فالأمر لم يعد يقتصر على إيران وروسيا والمقاومة اللبنانية , إذ إن هناك الآن دولاً أوروبية وآسيوية وإفريقية تجد نفسها مدفوعة للوقوف في وجه الإرهاب . وهناك دول أوروبية تخرج من دائرة الوهم , ومن وضعية التخدير التي كانت تعيشها تحت التأثير الأميركي الصهيوني لتجد بأن أمن مواطنيها بات مستباحاً أو أنه على وشك أن يستباح , وأن العصابات التي تجندها أمريكا والدول العميلة لها مثل السعودية وقطر وتركيا , لم يعد ممكناً حصر جرائمها في أماكن معينة , بل إن خطرها يهدد دولاً أخرى , ما يجبر هذه الدول على محاربتها . ومهما حاول أوباما أن يعيد عجلة محاربة الإرهاب الى الوراء بعد أن انطلقت هذه العجلة فإنه لن يستطيع . فإرهابيوه سيتساقطون تباعاً وسراعاً , ولن تنفعهم أسلحته الإضافية المرسلة إليهم مهما كانت القدرات الفتاكة لهذه الأسلحة . وها نحن نرى كيف خرج رئيس وزراء فرنسا , وهو يصف الإرهاب الذي يستهدف بلده , بأنه « يقوده جيش من المجرمين » , وكأنه يصف بذلك أدوات أميركا الإرهابية التي تستهدف سورية , ويحذّر من أن الإرهابيين قد يستخدمون أسلحة كيميائية بعد أن كان يشارك أميركا مزاعمها الباطلة بشأن من استخدم الأسلحة الكيميائية في سورية . وما كان ليقول ذلك لولا معرفته لطبيعة الأسلحة التي زودت بها أميركا والدول العميلة لها مجرميها الإرهابيين بما في ذلك الأسلحة الكيميائية .
هل يعني ذلك أن قادة الغرب ثابوا الى رشدهم , وتخلوا عن غيّهم ؟.
من المؤكد أننا لا نراهن البتة على قادة أوروبا الغربية حين يكون الأمر متعلقاً بسياسة تؤدّي الى الاصطدام مع خيارات واشنطن الشيطانية . فهؤلاء القادة – وكما تثبت التجربة – يلعبون دور التابع للسياسة الأمريكية . وهذا ما يفسّر السلوك الفرنسي الذي رغم وطأة الضربات الإرهابية لباريس سارع يتبنى الموقف الأميركي في الدعوة الى إرسال المزيد من الأسلحة الى « الإرهابيين المعتدلين » وفق المقاييس الأمريكية ! . إن هذا يحصل رغم أن كل مسؤول أوروبي بات يدرك أن الإرهاب لم يعد يقف فقط عند الباب , أو على الأعتاب , وإنما بات يضرب في قلب أوروبا , وأنه قادر على توجيه الكثير من الضربات . فكيف يمكن لقادة أوروبا أن يوفقوا بين مسؤولياتهم في حماية أمن شعوبهم وبين إطاعة أوامر واشنطن حتى وإن كانت تعرض شعوبهم للأذى ؟ . لنسلم بأن من يستهدف الشعوب الأخرى بالإذى , ويمارس كل أشكال التضليل والكذب لتبرير جرائمه ضدها , لن يتورع عن ممارسة الكذب تجاه شعبه ومتابعة التضليل حتى وإن تسبب ذلك في إيقاع أكبر الأذى .
إن سلوك قادة الغرب حتى هذه اللحظات يدلل على أنهم ما زالوا يراهنون على الإرهاب طالما أن هذا الإرهاب يخدم مخطط الصهاينة الشيطاني الذي تتبناه أميركا ويتبناه معها الغرب .