تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفنانة القديرة نبيلة النابلسي:في أول لقطة اغمي عليّ.. من طالبة شقية إلى أم حنون في الدراما

تجارب شخصية
الاربعاء 31/10/2007
ميساء الجردي

أحبت الفن وعشقته منذ طفولتها, وأحبها الناس بجميع أدوارها فكانت مقنعة ومتألقة في المسرح والسينما والتلفزيون, ولقبت بالشمس الساطعة, وقطعة الشوكولا والسندريلا, وحتى بعد اعتزالها الفن لمدة خمس سنوات عادت لتصبح الأم الحنون في الدراما التلفزيونية وصاحبة الدمعة السخية..

إنها الفنانة نبيلة النابلسي التي حركت الساكن تجاه قضايا المرأة الأم في مجتمعاتنا, وحين التقيناها في حديث التجربة الشخصية, أرادت أن تختصر, إلا أن الآراء والمواقف فرضت نفسها فكان هذا السرد الجميل.‏

في المرحلة الابتدائية كنت الطالبة الشقية (الشيطانة) أرقص وأغني وألقي الشعر في الاحتفالات الوطنية والاجتماعية والفنية التي تقيمها المدرسة وصحيح أنني كنت كسولة في مادة الرياضيات لكنني أبدعت في مواد أخرى ومنها الرسم فكنت أشارك في جميع المعارض التي تقام للأطفال في ذلك الوقت هذا النشاط لفت انتباه المعلمات في المدرسة وطلبن مني أن أنمي بذرة الفن التي عندي.‏

وحتى عمر 16 سنة لم أكن أعرف من أين أبدأ, فدخلت مجال الاعلان التلفزيوني, ثم تعرف علي المخرجون السينمائيون حيث كان في تلك المرحلة لدينا في سورية نشاط سينمائي مهم جداً, وعملت أول بطولة سينمائية عندما كان عمري 17 سنة, تعرفت حينها على الكاميرا والإضاءة وعالم التصوير وكيف أقف أمام الكاميرا, وأذكر أنني في أول لقطة لي أغمي علي ووقعت على الأرض ولم يكن شعوراً بالخوف, وإنما شعوراً بالرهبة والفرح لأمركنت أحلم به كثيراً, وكان أول عمل هو ثلاثية (رجال تحت الشمس) وطبعاً في هذه المرحلة مابين الخمسينيات والستينيات كان دخول الفتاة إلى مجال الفن أمراً غير وارد اجتماعياً بل مرفوض وقد واجهتني الكثير من الصعوبات مع أهلي ومع المجتمع, وكان أهلي أرحم من المجتمع حيث إن والدي كان يرى أن البنت للزواج ولم يكن يرغب لي هذه المهنة لكنه لم يمانع, أما المجتمع فكان ظالماً وأذكر أن هناك الكثير من الدعوات للأعراس والمناسبات لم تكن توجه إلينا بسبب مهنتي للفن.‏

هذا الأمر شكل لي صراعاً داخلياً استمر حتى بعد النجومية, ففي منتصف حياتي الفنية اعتزلت الفن وتزوجت بعد أن عملت حوالي 20 مسرحية 15 فيلماً سينمائياً, وفي ذلك الوقت أيضاً كان قد توقف وهج المسرح والسينما نهائياً في القطاع الخاص, وشبه متوقف في القطاع العام, وطبعاً كان للحرب اللبنانية دور كبير في هذا التوقف.‏

وبعد خمس سنوات من اعتزالي وعندما بدأ التلفزيون يأخذ مكانته ويتألق في بداية الثمانينيات قررت أن أخوض التجربة في التلفزيون لكن بشكل مدروس, مختلف عما كنت أعمله في السينما والمسرح أي البنت الحلوة الدلوعة, وبدأت بأدوار الأم وحينها تنازلت عن جزء من عمري فكان يوضع لي مكياج مكثف لكي أتلاءم مع الدور, فمثلاً في البدايات كنت أماً لعباس النوري, ورشيد عساف وهما من نفس عمري, وكنت في هذه الأعمال أقدم صورة عن الأم المرأ ة التي تختلف عما تقدمه الدراما المصرية التي تصورها (مجرد شغالة في المنزل وجسر لباقي الشخصيات).‏

فكنا ننوه إلى القضايا والمشكلات التي تعانيها المرأة اليوم (الأرملة, المطلقة, المرأة العاملة الموظفة, و..الخ) فكانت جميع الأدوار يجب أن تكون لها رسالة ومضمون و يجب أن تسلط الضوء على قضية معتم عليها بالنسبة للمرأة.‏

وأنا أرى أن المرأة حتى الآن مسلوبة الحقوق وفي بعض الأحيان تعبها مهدور وتضحياتها غير معترف بها وهي إلى الآن ليست صاحبة رأي أوقرار وهذا الأمر موجود بالعالم كله, لكن في بلدان أخرى, هن أكثر وعياً لحقوقهن وواجباتهن.‏

عملت أكثر من 200 عمل تلفزيوني وأغلبها أعمال لاقت صدىً كبيراً لدى الناس, فمثلاً منذ أربع سنوات قمت باستبيان للرأي على أحد المواقع حول ماهو أكثر عمل يحبه الجمهور لنبيلة النابلسي اندرج أكثر من 60 عملاً, وهذه نسبة جيدة في ذاكرة الناس, ويوجد الآن محطات عربية تعرض أعمالاً قديمة عمرها أكثر من 20 سنة ولها جمهورها, فالأعمال الأقرب لي هي التي هزت الناس, مثلاً لعبت دور المرأة الأرملة التي يأخذ أولادها الورثة ولايتركون لها زاوية في المنزل وتصبح مثل الخادمة في منازلهم فيتذمورن منها جميعاً.‏

وبالنسبة لنبيلة النابلسي الزوجة, كنت أعطي كل شيء حقه بالتنظيم وبمساعدة الزوج وبإحساس بالمسؤولية, كنت أقوم بأعمال المنزل في المساء وخلال وقت الفراغ عندما لايكون عندي تصوير كنت أحضرالأكلات والطبخات التي يحبها زوجي وأولادي.‏

وحياتي الأسروية صادفتها هزات وصدمات, إلا أنه دائماً بالعقل والحب القليل من التنازلات والمرونة تستمر الحياة الزوجية ونحن كفنانين يفترض أننا نعالج مشكلات الناس إذاً يجب أن نمتلك وعياً أكبر وتجربة أوسع ونستطيع أن نستوعب مشكلاتنا.‏

ولم أكن أنقل مشكلات الشغل إلى البيت أبداً إلا في الحالات الصعبة والكبيرة التي تظهر علاماتها على وجهي, لأن مشكلاتنا كثيرة واحباطاتنا كثيرة بالعمل الفني, فإذا كنا نعمل ضمن مجموعة متفاهمة, نذهب إلى العمل كأننا ذاهبون بنزهة جميلة, وفي بعض الأحيان نذهب بشق النفس.‏

لكن ليست هذه المشكلة, وإنما ماتعانيه الدراما السورية الآن من تخبط لأنها فن وصناعة تعمل دون أنظمة وقوانين لحمايتها, حيث إننا كنا نطالب دائماً بإيجاد قوانين بهذه الصناعة التي لاتقل عن السياحة أوالصناعات الأخرى, فهي مدرة للقطع الأجنبي وتشغل البلد على كافة الأصعدة لكنها تحتاج لأسس وأنظمة تحميها ولإحداث اتحاد توزيع سوري مشترك بين العام والخاص وتوحيد الأنظمة بينها حتى نخرج إلى العالم فنحن لدينا فنانون ومبدعون يضاهون الغرب, ولدينا كوادر كبيرة جداً, لكن آلية وتقاليد إنتاج حقيقية لايوجد.‏

وأقول هذا الكلام لأنني أتمنى لهذا البلد ألا يتوقف فيه الفن لست متفائلة, وخائفة أن أرى الفنانيين جالسين في بيوتهم بدون عمل, منهم من أحبط, ومنهم من انتحر, ومنهم من أصيب بالاكتئاب, وأنا نبيلة النابلسي عندي تجربة سابقة مع السينما وأنا في عز شبابي توقفت السينما وتوقفت معها, وتوقف المسرح وتوقفت معه, الآن أنا خائفة على الدراما السورية اليتيمة أن تتوقف, ولم نحرك ساكناً ألا بمبادرة بيضاء قامت بها الدولة بقرار من سيادة الرئيس بشراء الأعمال السورية.‏

أغلب جمهوري حتى الآن, هوللفصول الأربعة, وحور العين, وأمهات, والمخرجون يرون في نبيلة الشيء الإنساني والعاطفي والمؤثر لأنني عندما أعمل الدور أحاول بصدق ايصاله إلى الناس, فكانت معظم أعمالي بدور الأم المعذبة, الحنون, الضعيفة, مع أن كل مخرج كان يرى جانباً مختلفاً عن الذي قبله, فكنت في هذا العام تواقة للتغيير والعودة للأدوار التي أديتها سابقاً في السينما, فقمت بدور مركب وقاس في مسلسل رسائل الحب والحرب وكنت سعيدة بذلك, وحالياً أعمل مع الفنان وائل رمضان حلقات تلفزيونية بأحداث منفصلة تتناول قصص اجتماعية مختلفة.‏

الدروع والتكريمات لاتقدم شيئاً للفنان الذي يحب بلده وشعبه إنما تضيف نوعاً من المحبة والألفة والدفع القوي لاعطاء المزيد, فقد كرمتني السينما السورية وقدمت لي الدرع عن أعمالي في السينما, وكرمتني نقابة الفنانيين عن مجمل أعمالي وحياتي الفنية, وكرمني المسرح الكوميدي الحر الذي أنا مؤسسة فيه, وأخذت من القاهرة تكريماً عن عمل في فيلم يتحدث عن الإرهاب (حلم البرتقال) وحصلت على درع القاهرة الثاني عن مجمل أعمالي المشتركة ( المصرية السورية) وآخرها كان فيلم (ناجي العلي) والتكريم الثالث أيضاً من القاهرة عن مجمل مساهماتي الفكرية والفنية والتلفزيونية في المنطقة العربية.‏

بالنسبة للرسم بقي هوايتي التي أحببتها منذ الطفولة ولم أتخل عنها حتى الآن, والكثير ممن قال لي, اعملي معارض لرسوماتك فهي جيدة وألوانها مفرحة, لكنني لم أجرؤ على هذه الخطوة, وأنا أرسم لأتفرج على ماأرسم وليراه أصدقائي وأصحابي والكثير منه معلقاً على جدران منزلي.‏

أما رسومات الطفولة فلم يبق عندي شيء منها في أغلب الأحيان كنت أرسم وأمزق, وحتى والدتي لم تحتفظ لي بشيء منها وأذكر أنها في إحدى المرات قامت ببيع كتبي ورسوماتي التي كنت قد رتبتها ضمن كرتونة كبيرة تجهيزاً لنقلها إلى منزلنا الجديد, ففي ذلك الوقت كان هناك شخص يدور في حارات الشام القديمة, يشتري أغراضاً مقابل أدوات منزلية فأعطته والدتي أغراضي ورسوماتي مقابل طقم من الزبادي مع أنها كانت تشجعني بطريقتها البسيطة وغير المباشرة فكانت تقول لي( يالطيف شو صوتك حلو, يامضروبة شو رسمك حلو) وكنت بالفعل أمضي معظم وقتي بذلك إضافة للقراءة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية