نقد الاسطورة) ورحل بعد ذلك إلى ألمانيا. وحضر هناك المحاضرات التي كانت تلقى في جامعة ليبتسك وبرلين وما يربورغ حتى عام 1907 فدرس هناك على أيدي ممثلي النزعة الكانطية الجديدة ولما عاد إلى وطنه شغل كرسي مابعد الطبيعة في جامعة مدريد حتى عام .1936
وأسس في عام 1915 مجلة (اسبانيا) ثم مجلة الغرب وكانت أثمن مجلة أوروبية وفكرية عرفتها اسبانيا, ومن خير المجلات الأدبية والثقافية في العالم. دخل ميدان السياسة في عهد ديكتاتورية بريمودي ريبيرا 1923-1930 مكافحاً هذه الديكتاتورية داعياً في مجلته إلى الحريات الديمقراطية, وعودة الحياة النيابية,وإقامة الجمهورية, ولما سقطت الديكتاتورية وأعلنت الجمهورية عام 1931 أسس جمعية العمل السياسي تحت اسم (في خدمة الجمهورية) وانتخب نائباً في الجمعية التأسيسية, لكنه سرعان ما خاب أمله في الجمهورية وما رجاه منها, ثم أصبح على غير وفاق مع أصحاب السلطة الناشئة فيها.
ولما قامت الحرب الأهلية في اسبانيا عام 1936 غادر البلد وراح يتجول في فرنسا وهولندا والبرتغال والارجنتين حتى عام 1945 فعاد إلى اسبانيا التي ظل يتنقل بينها وبين البرتغال وبعض الدول الأوروبية حتى وفاته ,1955 من مؤلفاته: اسبانيا اللافقرية, تأملات الكيخوتة- تمرد الجماهير- موضوع عصرنا- دراسات في الحب.
تمرد الجماهير أكثر أعمال أورتغا غاسيت شهرة وهو بانتشاره في ترجمات إلى كل لغة ذات ثقافة, شمل منطقة العالم الغربي وتجاوزها, وموضوعه كما كتب مؤلفه عام 1929 يتناول: أهم واقعة في عصرنا. وهذه الواقعة جلية وثورية, (إنها وصول الجماهير إلى سدة السلطة الاجتماعية, وكانت شهرة الكتاب وانتشاره بالغين حتى تحول إلى أهم كواشف عصرنا).
وإن إعادة طبع النص في ترجماته المختلفة يستشف منه أن صفحاته تستجيب لاهتمامات تمس الأجيال الجديدة, وعلى أن نفوذ أفكاره يمكن أن يوجه المستقبل. وهذه الشهرة حملت ذكر أورتيغا على أن يتلقى أعظم جزاء, ألا وهوتحول أفكاره إلى أفكار عامة مطروقة لكنها جعلته يعاني في آن واحد من مخاطر ينطوي عليها هذا التحول, وقادت إلى أن يفهم فهماً غير دقيق, بل حتى إلى أن يعدل ويبدل جذرياً كفكرة (الجمهور) مثلاً ومدى تمرده التاريخي, ولئن كان أورتيغا يستبق فيحذر من ذلك في صفحات كتابه الأولى, فإن السياسة التي هي منظور سطحي دائماً أعاقت فهم أفكاره فهماً صحيحاً.
وإن تمرد الجماهير هو أكثر وقائع القرن العشرين إيجابية, لكن قوته غير المسبوقة قد جلبت في آن واحد وبالقوة, مخاطر هامة وجديدة جداً, وإن تحقق توقعات أورتيغا حالياً- وهي توقعات تعود إلى نصف قرن- يمكن أن تساهم في أن يقرأ الكتاب اليوم بإمعان أكبر, وأن ينتفع بصفحاته لفهم اللحظة التاريخية التي نعيشها.
ينبه محرر الكتاب باولينو غراغوري إلى أن الكاتب ليس سياسياً ولا عالم اجتماع, بل فيلسوف والقارئ سيتأكد له ذلك وهو يقرأ: (المستقبل منطقة من الزمن يعيش فيها الناس فعلاً. ولا ننسى أن الحياة شغل يتم باتجاه الأمام. وإن ما يهمنا ويشغل بالنا ما يمكن أن يحدث في اللحظة القادمة المباشرة أو البعيدة, والإنسان يلقي به كل لحظة باتجاه هذا الفراغ المخيف الذي هو المستقبل حسن أنا أقول إن المستقبل الآتي شيء فارغ يقف أمامنا. إنه بعد الحياة الإشكالي. ولا ندري ماذا يجلب علينا وماذا سيحدث لنا, وهذا هو عدم اليقين بشكل جوهري.
الكتاب: تمرد الجماهير - ترجمة: علي ابراهيم شقرا صادر عن وزارة الثقافة 2007 في 285 صفحة.