وفي سياق الحديث عن القانون الجديد للإنترنت في مصر وما رافقه من موجة استياء ورفض تمّ ذكر خبرٍ يفيد بأن وزارة الخارجية البريطانية أصدرت (تحذيراً لمواطنيها الذين ينوون زيارة مصر من إبداء ملاحظات سلبيّة على مواقع التواصل الاجتماعي تجاه الرئيس المصري أو قوات الأمن، لأنه ربما أوقعهم في مشكلات مع السلطات)..
ومن أحد الأمور التي دفعت إلى صياغة القانون الجديد ما تمّ تداوله على مستويات عليا من أن أجهزة الدولة رصدت (21) ألف شائعة خلال ثلاثة أشهر غالبيتها صدرت عن مواقع السوشال ميديا.
تلك الحسابات الوهمية تذكّر بتلك التي تمّ اختراقها في فضيحة كامبريدج أناليتيكا لكنها لم تكن وهمية إنما حقيقية وبلغت ما يزيد عن (50) مليون حساب على الموقع الأزرق.. لصالح التأثير على آراء أصحابها بما يخص الانتخابات الأمريكية..
ووجه الشبه يكمن بلعبة «الوهم».. ففي الأولى هي مجرد تزييف لشخصيات تهوى التلصص بحساب مزوّر «وهمي».. بينما في الحالة الثانية يكمن اللعب بإيهام المستخدمين بحق حماية بياناتهم.
يبدو أن زيادة نسبة «الوهم/الإيهام» دفعت العالم بأثره إلى الحد مما يمكن أن نطلق عليه «حرية افتراضية».. تلك الحرية الممارسة على منصات السوشال ميديا..
هل كانت موازية لحرية واقعية، بعدما جاءت غالباً للتعويض عنها..؟.. أم كانت مجرد أداة ألعوبة في أيدي عمالقة يتسيّدون حروباً هجينة وأخرى سيبرانية..؟
لعبة شراء ذاك النوع من «الحرية» الممهورة بختم «الافتراض».. تبقى من نصيب أولئك العمالقة.. الذين يدركون تماماً كيف يتوسّلون شبكات التواصل وصولاً إلى إتقان ما يطلق عليه حالياً وحديثاً «التجنيد الإلكتروني»..
فبحسب مفاهيم الزمن الراهن أصبحت الحروب تحدث إلكترونياً وتشن هجمات على شبكة الإنترنت.. وهو ما يتطلب مفهوماً جديداً للـ(التجنيد) متخطيّاً معناه التقليدي إلى آخر غير ملحوظ لحظ العين فأثره أكبر من أن يتمّ تداركه بمقتنيات ذهنية بالية..
قطبا الحروب السيبرانية والهجينة دوماً يكونان متمثلين بكل من الولايات المتحدة و»الناتو» من طرف، والصين وروسيا من طرف آخر..
وتلك الحروب جعلت من منصات «الافتراض» جزءاً أساسياً من آلية الحرب.. بعدما كانت ملحقة بها.. وربما يشتدّ لهبها بقدوم الجيل الخامس من شبكات الاتصال، حين سيغدو كل شيء مرتبطاً بالأنترنت..
لكنها وبذات الوقت الذي تمنح فيه وهماً بقوة التأثير والرأي، تتلاعب بمجموع الآراء كيفما أرادت.. لأنها ذات فاعلية مزدوجة.. تمنح تعبيراً صريحاً عن رأي معين بقضية ما، وباللحظة عينها تتيح وصولاً واسعاً ومباشراً لشرائح لا عدّ لها.. كخطوة أولى طمساً للعقول والقلوب معاً.
lamisali25@yahoo.com