تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أدباء أخفقوا على مقاعد الدراسة

ملحق ثقافي
2018/9/18
ترجمة: دلال إبراهيم

في الوقت الذي يمضي أبناؤنا الطلبة أوقاتهم العصيبة في استرجاع ما خزنوه في ذاكرتهم خلال السنة الدراسية ليفرغوه على ورقة الامتحان في آخر العام الدراسي ليتقرر فيما بعد إن كانوا يستحقون شهادة البكالوريا أم لا يستحقونها،

وهي شهادة العبور بهم إلى مرحلة النضج والإنتاج. ويطرحون عليهم أسئلة عن مواضيع حشوا بها رؤوسهم والتي سرعان ما ستغيب في بئر النسيان. سوف نستعرض هنا ومن أجل رفع معنوياتهم أمثلة رائعة لكتاب وشعراء عظام، كانوا في بعض الأحيان المصدر الرسمي لنصوص مدرسية مطلوب من الطلاب التعليق عليها، لم يتخرجوا من المدارس التعليمية ولم يبلوا حسناً حين كانوا طلاباً على مقاعد الدراسة.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

الطالب مالرو : الفخور جداً‏‏

من المعروف لدى الجميع أن الشاعر أندريه مالرو لم يكن راضياً ومحباً لطفولته. وكان يردد ذلك أينما حل. حتى يمكننا القول إنه كان يحب ألا يعجب بطفولته. نشأ مالرو في متجر للبقالة، وقد ربته والدته بيرث في وسط حقول البطاطا واللفت، ووجد أن هذا المحيط وهذا العالم من صغار البرجوازية هي الطبقة المحرومة. ولو قيض له الاختيار، لكان فضل أن يولد غنياً، لو حظي حينها بمعرفته على أن يكون مالرو.‏‏

لم يكن مالرو طالباً سيئاً في المدرسة كما لم يكن ممتازاً. وكان يتردد على بوفيه في شارع توربيغو بغية التحضير للبكالوريا. وكذلك سعى للدخول إلى الكوندورسيه في عام 1918. إلا أن تلك المدرسة الثانوية المرموقة رفضت استقباله في صفوفها ولا أحد يعرف دوافع رفضها. وبدلاً من التسجيل في ثانوية أخرى فضل الحفاظ على عزته وكبريائه. ولأن جراحه كانت عميقة قرر هجر مقاعد الدراسة. وفي حين كان يدعي أن لديه طموحات بالرسم، لم يستغل تلك الطموحات ليرسم. في الوقت الذي كان فيه يكتشف عالم الكتب النادرة لدى رينيه-لويس ديون. وبعد مضي ثلاثة أعوام نشر كتابه «أقمار مصنوعة من الورق» قبل أن يغادر إلى منطقة الهند الصينية لنهب معابد الخمير الحمر، ونشر كتاب حظي بالنجاح إلى جانب شن العديد من الحروب، وليصبح وزيراً في نهاية المطاف. وتلك هي إنجازاته.‏‏

التلميذ غيتري: التلميذ المستبعد‏‏

ليس بوسعنا القول إن التلميذ غيتري كان سيئاً، حيث لم يمكث وقتاً كافياً في المدرسة لكي يثبت ذلك أو نقيضه. فقد تم فصله إحدى عشرة مرة خلال دراسته. وبالتالي لا بد من القول إنه لم يكن محظوظاً. كما وتم نقله إلى ثانوية اركوي، ليجد نفسه في مدرسة يديرها ألماني مدمن كحول يتجول ليلاً مرتدياً ثوباً في الفناء ومغمغماً الهراء الألماني.‏‏

وبعد مضي أعوام قليلة فشل في الدراسة في مؤسسة باسي، التي كان يديرها وريث كسول والذي بعد إهدار أموال عائلته اضطر إلى فصل الطاقم التربوي لأنه عجز عن دفع رواتبهم تاركاً الطلاب – بما فيهم غيتري – يديرون أنفسهم وينخرطون في حفلات راقصة على مدى أشهر «كانوا يمولون التكاليف الباهظة من مصاريف مدرسية كان يرسلها لهم أهلهم دون أن يعلموا أن من يصرفها هم الفاشلون أبناؤهم».‏‏

إلا أنه أشعل النار في مدرسة أخرى. ففيها لم يمكث أكثر من يومين. حيث استدعى المشرف العام على المدرسة والده ليقول له: «كنت أرغب أن أعيد لك ابنك، ولكنني لا أستطيع لأنه لم يعد يأتي». وفي سيرته الذاتية وحينما يشير إلى أنه لم يحصل على البكالوريا، لا يحدد ما إن كان قد مر عليها، لأنه ليس ذا أهمية لديه. وكان غيتري يكره المدرسة. وفي إحدى المرات تسائل قائلاً: «ألا تبدو المدارس مثل السجون؟ ينبغي معاقبة المهندسين الذين يبنون مثل تلك الأهوال». ويشبه إحدى المدارس في شامبري بأنها «سجن عقابي للأطفال». وفي عيد ميلاد الكاتب المسرحي غيتري نظمت مدرسة Janson-de-Sailly مأدبة على شرفه، وأشار خلال الحفل إلى مفارقة قال فيها: «يحق للطالب الممتاز الذي نال شهرة تكريمه في مدرسة ثانوية واحدة، بينما هو الذي تراكمت لديه فصول الطرد، يمكنه الزعم بالتكريم عشرات المرات».‏‏

التلميذ كوكتو : الطفل المدلل‏‏

كان الصغير جان كوكتو طفلاً سعيداً، متلهفاً للقراءة، لديه فكر متقد. ولكنه وهو في عمر التاسعة انتحر والده بإطلاق الرصاصة على رأسه. وعاش وحيداً مع والدته الماجنة. وفي أعقاب فترة طويلة قضاها في المنزل، ذهب إلى المدرسة على مضض. ونتائجه كانت موضع خجل وعار. ففي ثانوية كوندورسيه تعرف على بيير دارغيلوس أحد الطلاب الرائعين الفاسدين، وكان يعلمه وهو الطالب المغفل الساذج متعة المعصية، وفي عام 1904 تم طرد كوكتو. ودخل إلى مدرسة فينيلون، وكان اقترب من البكالوريا. ولا زال طالباً سيئاً ولم يكن ذلك يثير قلقه. فقد كان يفضل قضاء الليالي يدخن في الدورادو، حيث ووفقاً للحكاية كان يجد ضالته في المتعة. ولا سيما لقائه مع جين رينيت التي كانت ترتدي تنانير قصيرة مثيرة، تجعل منه شخصاً مفتوناً لحد الجنون بساقيها. وخلال الفترة الممتدة ما بين شهري أيار وحزيران عام 1906 عاشوا معاً أكثر الأيام مجوناً. وحينما أبدى كوكتو رغبته في العودة، لأن سعادة وفرح الجسد لم تكن تعنيه، صار يسعى للحد من أضرار هذه التجربة. إلا أن النتائج لم تعد تطاق والحال صارت مثيرة للحزن.‏‏

التلميذ أميل زولا: ما الذي حدث؟‏‏

كان لدى زولا طموح الحصول على البكالوريا. وكانت لديه طموحات أن يكون تلميذاً جيداً. وهو في عمر السادسة قرر أن يصبح رجل أدب، وبدأ في قراءة أول رواية عن الحروب الصليبية، التي كان يقرأها لصديقه سيزان. ولكن قصة والده معروفة للجميع، فهو المهندس الذي استجر المياه الصالحة للشرب إلى منطقة Aix-en-Provence ومن ثم توفي فجأة وجرده دائنوه من الأموال بعد وفاته وكان زولا في السابعة من عمره. وعانت والدته المسكينة سانت اميلي الفقر المدقع، التي ارتأت الاعتماد على ولدها أميل حيث كانت ترى فيه محامياً. ويصمم زولا على عدم طاعتها في هذا الأمر بالرغم من أنه كان ابناً محبوباً. فدرس في ثانوية سان – لويس. ووصل إلى درجة البكالوريا العلمي. والأوضاع البائسة جعلته يتغيب شهرين في بداية العام. وفي فصل الصيف نجح في فحص الكتابة. ولكن اختباراته الشفوية كانت كارثية. يروى أنه كان يخلط، وربما بسبب العصبية، بين شارلمان وسان لويس. فهل كان سيحصل على شهادته لو أنه كان طالباً في ثانوية شارلمان؟‏‏

وفي العام التالي أعادها مرة أخرى. وكان يُعتقد أنه ليس بحاجة إلى إجراء تدريبات للامتحانات الشفهية. وهذه المرة رسب مباشرة في الفحص الكتابي. وانهار الشاب وخاب أمل والدته. وحصل على عمل دون أي مؤهلات وعمل لدى الجمارك كموظف مكتبي. إنها ليست الكتابة التي يحلم بها. ومن ثم عمل ملحقاً صحفياً لدى دار هاشيت، وليصبح من ثم زولا.‏‏

أبولينير : يا لها من خسارة!‏‏

يمتلك أبولينير اسماً مركباً وطويلاً نختصره باسم «غيوم أبولينير» وقصة فشله في البكالوريا يكتنفها الغموض. ويتضح لنا بجلاء أن طفولته ومراهقته كانت مضطربة، عاش تحت سلطة نفوذ والدته انجيليكا الغريبة الأطوار والأرستقراطية الماجنة ولاعبة القمار والتي كان لا بد لها بسبب ذلك أن تنتقل للعيش في موناكو، وهناك أدرجتها الشرطة في قائمة صنف «نساء ظريفات» واشتهرت في الكازينوهات باسم أولغا. اسم لا زالت تحلم فيه المتجولات في الريفييرا. لم تهمل تربية ولديها اللذين أرسلتهما إلى مدينة كان إلى ثانوية ستانيسلاس ومن ثم إلى ثانوية ماسينا في نيس. وكان الشاب غيوم يقرأ بنهم. وحتى قاموس لا روس، كما اعترف كان في قائمة دراساته المشوقة. وعلى الرغم من ذلك فشل في عام 1897 في نيل البكالوريا. فما الذي جرى؟ من المستحيل معرفة السبب.‏‏

وعلى إثر ذلك هام أبولينير على وجهه، فقد غادر الفندق دون دفع الفاتورة «بناء على نصيحة والدته»، وبعد أن فشل في إيجاد عمل له في المصرف، وافق على العمل في مكتب محامٍ، وحاول أن يصبح صحفياً في انتظار فرصته ومكانته في عالم الأدب. والآن هناك مدرسة باسمه في نيس، وفيها يدرس الطلاب البكالوريا وبعضهم يحصل عليها.‏‏

التلميذ جيونو : لم يتقدم إلى الامتحان‏‏

كان يعمل والد جان جيونو في صناعة الأحذية بينما كانت والدته تعمل في كوي الملابس. درس جيونو في مدرسة مانوسك، وهي إحدى المؤسسات التعليمية القليلة المجانية في فرنسا. وكان بالمستوى المتوسط. وقيل إنه كان بوسعه الحصول على البكالوريا. ولكنه أنهى دراستها قبل الشروع فيها. فقد قرر العمل وهو في عمر 16 بصفة كاتب لدى مصرف يتردد عليه البرجوازيين من مقاطعة بروفانس. حيث تلقى والده ضربة ولم يعد للأسرة من مورد تعيش منه.‏‏

فهل كان ذلك يرضي شعور الكبرياء البروليتاري لديه؟ وفي وقت كان يصر على وصف نفسه بعد ثلاثة سنوات من التخندق معهم قبل أن يصبح أديباً بأنه «عصامي» و»فخور بنفسه». فهو شاعر الشعب. ويتحدث عن طيب خاطر عن شبابه البائس.‏‏

وفي عام 1929 حين زاره الروائي أندريه جيد في منزله، اندهش لما لم يجد لديه أي من رواياته. فأجابه مؤلف رواية «ملك دون رفاهية» بأنه «فقير جداً لا يملك الثمن ليشتري رواية له والبالغ ثمنها خمسة فرنكات» شيء مثير للأسى ولكنه غير صحيح، لأن جيونو كان يقدم نفسه بصفة مستخدم بسيط في المصرف وهو في الحقيقة كان بمثابة الزيت في حسابات أعداء مؤسسة مانوسك التعليمية. وكان يسافر لقضاء إجازاته، في الوقت الذي لم يكن في مقدور غيره السفر. كان يشتري الكتب بكثرة، ومنها إصدارات «أوليس» لفيكتور بيرار بقيمة 150 فرنكاً، وكذلك الأعداد الباهظة الثمن لوالت ويتمان.‏‏

وبما أننا عرجنا على ذكر أندريه جيد، من المناسب أن نذكر أنه جرى استبعاده من مدرسة الاليزاس المرموقة إثر ضبطه في مخالفة أخلاقية، وبعدها اتبع دروساً تعليمية متقطعة على يد أساتذة في عدة اختصاصات، وتراكمت لديه سنوات تأخر دراسي. وفي سن العشرين حصل على البكالوريا. فأهله لم ييأسوا البتة.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية