تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الصحراء وبصماتها في الشعر الجاهلي

ملحق ثقافي
2018/9/18
سلام الفاضل

من يقرأ الشعر الجاهلي، يدرك بما لا يطاوله شك، ولا يعمى عنه بصر، ما كان للصحراء من أثر دامغ في حياة العربي في ذاك العصر..

فالصحراء كانت موطنه، فيها أقام بنيان شعره العظيم، ومنها استقى صوره التي رفد فيها هذا الشعر، وفوق حبات رمالها استلقى يخاطب النجوم، ويأسى حُباً رحل على هودج مع نسائم الفجر الأولى، ويقارع الغيلان، والوحوش، ويفخر، ويذم، ويتفجع.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

فالصحراء، إذاً، كانت البيئة التي غمس فيها الشاعر الجاهلي ريشته، فأبدع أروع الصور، وكتاب (الصحراء في الشعر الجاهلي) للدكتورة مها قنوت والصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يتناول في ثناياه دراسة علمية تكشف أثر البادية في الحياة الجاهلية، وأثر الصحراء في الحرب والغزو، وأثرها فيما كان للعرب من مثل أو عادات أو قيم، إلى جانب ما خلفته من بصمات على موضوعات الشعر الجاهلي، ومعانيه، وبنائه الفني، وما أبرزته في أخيلة الشعراء من مشاهد وصور مهمة سواء ما اتصل منها بالطبيعة، أم بالحيوان، أو ما كان له صلة بالمشاهد الإنسانية الصرفة.‏‏

أقسام الكتاب‏‏

قُسّم هذا الكتاب إلى ثلاثة أبواب ضم كل منها ثلاثة فصول؛ تناول الباب الأول في فصله الأول الحديث عن الصحراء والقبيلة في الشعر الجاهلي، وتطرق الفصل الثاني إلى دراسة أثر الصحراء في الحرب والغزو مع بيان أسباب هذه الحروب والغزوات، ودرس الفصل الثالث أثر الصحراء في المثل والقيم.‏‏

والباب الثاني تناول في فصله الأول الصحراء وبناء القصيدة الجاهلية وأثر الصحراء على هذا البناء، ثم درس في الفصل الثاني موضوعات الشعر الجاهلي وأثر الصحراء في هذه الموضوعات، وبيّن الفصل الثالث معاني الشعر الجاهلي، ودور الصحراء في بلورة هذه المعاني.‏‏

وأخذ الباب الثالث والأخير في فصله الأول على عاتقه مهمة الحديث عن المشاهد الطبيعية للصحراء كما تحدث عنها الشاعر الجاهلي، وتطرق في الفصل الثاني إلى الحديث عن مشاهد الحيوان في الصحراء، وختم حديثه في الفصل الثالث بالوقوف عند المشاهد الإنسانية للجاهلي فيها.‏‏

ونحن في هذه الإطلالة السريعة على هذا الكتاب سنقف عند فصلين، هما:‏‏

أثر الصحراء في المثل والقيم‏‏

نظراً لاتساع الصحراء، وطبيعتها التي يغلب عليها القحط والجفاف، كان لا بد من ظهور مجموعة من المثل والقيم التي تناسب حياة الناس في الصحراء. ولقد عبّر الشعر الجاهلي في قصائده الكثيرة عن جملة من هذه المثل والقيم، ولعل من أبرزها:‏‏

- الشجاعة: عُدت الشجاعة وقوة البأس ورباطة الجأش وصلابة القلب من أهم صفات العربي في العصر الجاهلي، يقول ابن خلدون: “وأهل البدو لتفردهم عن المجتمع، وتوحشهم في الضواحي، وبعدهم عن الحامية قائمون بالمدافعة، لا يكلونها إلى سواهم، ولا يثقون فيها بغيرهم، فهم دائماً يحملون السلاح،...”. وقد ظهرت هذه الشجاعة في صور عدة منها: (حب المنايا – مقارعة الأبطال – الحكمة التي تدفع إلى الشجاعة – التسابق إلى الموت – تشجيع النساء للمحاربين).‏‏

- الكرم: إن الصحراء المترامية الأطراف، ذات الطبيعة الحادة والقاسية، ربما شكلت أكبر دافع ليكون الكرم صفة ملازمة لاستمرار تواصل الناس في الصحراء. كما أن الشعر الجاهلي لم يقصّر في تجسيد أسباب هذا الكرم التي تعد طبيعة الصحراء، إذ لم يكن للعابر فيها من ملجأ يلوذ به إلا القبائل التي يعبر فيها، سبباً جوهرياً من أسبابه، إلى جانب رغبة الكرماء في الثناء والمديح، أو تسنمه وسيلة إلى السيادة والزعامة، إضافة إلى ما يشكله الكرم في الصحراء من حصن لأعراض من وسموا به، وصون لهم، أو هو تعبير عن فهمهم للحياة، وقناعتهم أنها رحلة بسيطة عابرة، فرزق اليوم لليوم، والغد سيأتي برزقه.‏‏

وقد برزت صور الكرم في الشعر الجاهلي عبر وسائل كثيرة، منها إشعال النار فوق الأماكن المرتفعة، يقول حاتم الطائي:‏‏

إذا ما البخيل الخِب أخمد ناره/ أقول لمن يصلى بناري أوقدوا‏‏

وكثرة الجفان والقدور التي كان يُطهى فيها الطعام، وبشاشة الوجه وحسن الحديث في استقبال الضيف، إلى جانب كثرة الرماد الذي كان يعد دليلاً على الضيافة، يقول عمرو بن قميئة:‏‏

عظيم رماد القدر لا متعبس/ ولا مُؤيس منها إذا هو أوقدا‏‏

- إغاثة الملهوف: وأكثر ما تبدت هذه القيمة كما عبر عن ذلك الشعر الجاهلي عند وقوع الظلم على أحدهم، أو افتقاده العون، أو تعرضه للسلب أو الغدر، يقول زيد الخيل:‏‏

ولما دعاني الخيبري أجبته/ بأبيض من ماء الحديد صقيل‏‏

- الوفاء: اتخذ الوفاء في حياة العربي في العصر الجاهلي شكلين اثنين؛ الشكل الجماعي وهو الوفاء بما وقعوا عليه من العهود والأحلاف، والتزامهم بها. والشكل الفردي وهو ما تجسد عندهم من صور وفاء المرأة لزوجها، أو الرجل لجاره، تقول الخنساء في رثاء أخيها:‏‏

لم تره جارة يمشي بساحتها/ لرية حين يخلي بيته الجار‏‏

- الإباء والشمم: وقد عبر الشعر الجاهلي عن هذه القيمة تعبيراً صادقاً كقول عنترة العبسي:‏‏

لا تسقني ماء الحياة بذلة/ بل فاسقني بالعز كأس الحنظل‏‏

مشاهد إنسانية‏‏

رصد هذا الفصل بين جوانحه مشاهد إنسانية عمَرت الصحراء، ووهبتها حياة حقيقية ملؤها العاطفة والعقل والخيال، وهي أمور لا يتسم بها إلا المجتمع الإنساني. فعرض في حنايا سطوره مشاهد عن الظعن والظعائن وما يتبعها من شفافية شاعر عانى وجع الارتحال وحنين الشوق، بعدها تعرّض البحث للحُداء والحداة، ثم الحديث عن الأطلال وما اكتنفها من صور إنسانية أتى الشاعر الجاهلي على ذكرها بتفصيل كل صورة من خيمة وأعواد ونؤي وأثاف وأوار، وما شبهت به هذه الأطلال من وشم وكتابة وخط وأفاع، وكيف تحدث الشاعر الجاهلي معها وبكى أمامها، محاولاً تعويض ما عاشه من حرمان برحيل الأحبة عبر إذكاء حالة الطيف والخيال. وأخيراً تطرق إلى الأسرة في الصحراء، كما بيّنها الشعر الجاهلي، لأن البدوي ساكن الصحراء لا تنجلي حقيقة علاقاته الإنسانية إلا في أسرته وبين أهله وذويه.‏‏

يقع هذا الكتاب في 694 صفحة من القطع الكبير.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية