تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


آفاق اللغة النشأة والأصل والانتشار

ملحق ثقافي
2018/9/18
عباس حيروقة

إن المتتبع أو القارئ لتاريخ اللغات ونشأتها، سيدرك أن أهل الاختصاص قسّموا اللغات إلى أقسام وطوائف،

وبعض الباحثين عدَّ أن هذه التسميات لها ما لها من خلفيات سياسية وأغراض غير بريئة، أقلها إدخال العبرية كلغة في نسيج اللغة العربية،‏

والتي مرت كغيرها من اللغات بأدوار وأطوار كانت تسمى باللهجات العروبية، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه أو عليه، ولم تكن العبرية من ملامحها. فها هو الدكتور والباحث جمال الدين الخضور يعدُّ في مقدمة مؤلفه (عودة التاريخ) الجزء الأول، أن معظم المقاربات للحضارات ما بعد كتابية مقاربات تذريرية بهدف الوصول إلى المنظومة العبرانية المختلقة والمزيفة، وزرعها بين أنساق تلك الحضارات العريقة والأصيلة (على الرغم من الاشتغال النوعي والمقاربة العميقة للحضارات بعد الكتابية (اليبوسية - الكنعانية) تل العبيدية, السومرية، الأكادية (البابلية بمظهريها).. والمصرية (الوادي نيلية).‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

إلا أنها كانت مقاربة تذريرية، درست تلك الحضارات بشكل معزول عن بعضها، وحاولت البحث عن نقاط الاختلاف بهدف تضخيمها وتفتيت وحدتها، حتى في مواقع كثيرة حاولت اختزالها زمانياً ومكانياً (زمكانياً) وتاريخياً، بهدف الوصول السريع إلى (المنظومة العبرانية) المختلقة والمزيفة، وزرعها بين أنساق تلك الحضارة المتوالدة والأصيلة في امتدادها الشاقولي والأفقي، وكأنها مكون بنيوي أصيل في البناء الحضاري العريق للمشرق العربي.‏‏‏

نعم، حصل ذاك التداخل والتدخل في الدراسات والكتابات، واعتُمِدت أيضاً في مناهج دراسية، ومنها ما نوقش في غير مصدر، بوصفها حالات بهية مسلّماً بها.‏‏‏

إلا أن وجود كتّاب ومفكرين مثل الدكتور جمال الدين الخضور وفراس السواح وأحمد يوسف داوود وعفيف بهنسي وجواد علي وغيرهم ممن حاولوا حمل العربة ووضعها على السكة الصحيحة.. قاربوا بطريقة معمقة ذلك المخزون النفسي للجماهير حسب تعريف د. حسن حنفي أو المخزون الأركيولوجي العملاق بحسب توصيف د. جمال الدين الخضور بعيداً عن التزييف والتشويه والتحريف القائم على التأسيس المؤدلج المدروس، الذي يضيّع ويشوه التاريخ الحقيقي لسكان الحضارة العمرانية الأولى وصانعيها، فيبطلون ما سُطِّرَ في شتى المراجع من أن أصل اللغات كما قلنا آنفاً ومقسّم إلى لغات سامية وحامية ويافيثية بحسب المتكلمين بها وعائديتهم.. واصفين هذه الدراسات بأنها لا تستند إلى أي معطى تاريخي واقعي أو ميداني، بهدف التأسيس كما بينا للوجود العبراني في المنطقة، وبأنها - كما يرى الدكتور جمال الدين الخضور في المقدمة نفسها من المؤلف نفسه (مرتكزة على التقسيم الشلوتسري الأيديولوجي الصهيوني لشعوب المنطقة العربية بين سام وحام ويافث.. من دون الاستناد على أي معطى تاريخي واقعي أو ميداني أو لغوي أو أركيولوجي، بهدف التأسيس للوجود (العبراني) في المنطقة العربية وكأنه بنيوي في أصل وجودها. ولقد حاولنا من خلال الوثائق والمعطيات التاريخية والجغرافية بما في ذلك النص التوراتي نفسه البرهان على ما يسمى (التكوين العبراني) لم يكن إلا عابراً في المنطقة، وأنه من خارجها أصلاً إثنياً ولغوياً وثقافياً). 1‏‏‏

وكتّاب كثر تحدثوا من هذا المنطلق وبهذا المعطى والذي يعكس وعياً معرفياً وانتماء عروبياً عند باحثنا ومفكرنا العربي.. وكذلك نرى ذات الحس والسعي لتصدير الحقائق التاريخية عند الباحث محمود حاج حسين في مؤلفه المذكور آنفاً (تاريخ الكتابة العربية وتطورها) فيؤكد أن كلمة (السامية) أطلقها العالم الألماني (شلوتزر) عام ( 1781م) على مجموعة من لغات الشعوب القديمة، والتي سكنت بلاد الشام وجزيرة العرب وبلاد الحبشة، معتمداً على مقولات التوراة التاريخية، ثم شملت هذه التسمية لغات وشعوب ما بين النهرين (دجلة والفرات) بعد اكتشاف الأثر (البهستوني) نسبة إلى مدينة بهستون الإيرانية – وحل رموز الكتابة المسمارية، وبعد اكتشاف حجر الرشيد في مصر وحل رموز الكتابة المصرية القديمة (الهيروغليفية الفرعونية) ألحقوا بها هذه اللغة وشعبها ودعوها بـ (الحامية السامية).‏‏‏

ويدعو الباحث محمود الحاج حسين في موضع آخر من المؤلف الدعوة نفسها التي دعا إليها د. جمال الدين الخضور.. إلى صحوة عربية للتحرر من المسلّمات المغلوطة وتصحيح المنطلقات الزائفة وإسقاط المقولات المُتَجنيّة.‏‏‏

فيقول: فقد ثبت أن (السامية والحامية السامية) تسمية غير موفّقة، وغير دقيقة؛ إذ ناقشنا موضوعيّاً ادعاءات التوراة؛ لأن كتابها صنفوا أولاد نوح عليه السلام, ونسبوا أنفسهم ومن ارتضوه من هذه الشعوب إلى (سام) الأبيض المفضل عندهم، (اللوديين): قبائل هندية الأصل و(العيلاميين) الفرس القدامى بهذا النسب الرفيع، على الرغم من أن لغتيهما لا تمتان إلى السامية بصلة – قبل أن تتأثر الفارسية بالآرامية وبالعربية بعد الإسلام – وضنّوا بهذا النسب الرفيع – على زعمهم- على خصومهم من الكنعانيين والمصريين، وألحقوهم بنسب (حام) الأسود؛ لغايات سياسية مشهورة، علماً بأن كلمة (عرب) وردت على هذه الشعوب أو على بعضها عند المؤرخين من اليونان والرومان والكلدان واليهود، كما وردت في النقوش البابلية والآشورية، وفي التوراة غير مرة.(2)‏‏‏

إن الكتابة أو الحديث عن العرب وتاريخهم الجغرافي أو جغرافيتهم التاريخية وتأسيسهم الأناسي المعرفي، يفتح الآفاق أمام احتمالات شتى وتشعبات قد لا تنتهي، ولا تجد حكماً قاطعاً جامعاً مانعاً عن أول ظهور لهذا المصطلح على الأقل، فكيف عن النشأة والأصل والانتشار.. إذ طرحت آراء كثيرة، ولغير باحث ومشتغل بهذا الحقل، فمنهم من يرجع وجود (العرب) إلى وجود الإنسان الأول العاقل على هذه المعمورة.. ومنهم من قسمهم إلى عرب عاربة ومستعربة أو باقية وبائدة أو أو..إلخ.‏‏‏

وهناك رأي يقول بخروجهم وعلى مرحلتين من شبه الجزيرة العربية قبل الألف السادس قبل الميلاد، عند اشتداد القحط، فخرجوا إلى وادي النيل وشمال أفريقيا. وأما الوجهة الثانية والتي كانت في الألف الرابع قبل الميلاد، فكانت إلى ما بين النهرين والشام وأيضاً إلى مصر وأفريقيا. وهناك أسسوا الحضارات، وأقاموا دولاً، وعُرف ما عرف منها كالأكادية والبابلية والآشورية والكلدانية والكنعانية والعمورية والإيبلائية والفينيقية والآرامية السريانية والمندعية أو المندائية وهم الصابئة والتدمرية والنبطية والعبرية.‏‏‏

كما أن هناك كثيراً من الكتاب وأهل الاختصاص قد سطروا في هذا الشأن المؤلفات والكتب والمراجع، مستندين إلى قراءة أو فك رموز وجدت على رقم طينية مكتشفة في مواقع أثرية لبلدان ومدن كانت عواصم وممالك وحضارات. والجدير بالذكر أن الذين قاموا بالاكتشاف والقراءة والتحليل هم مستشرقون.‏‏‏

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل كانوا أوفياء في قراءتهم تلك؟؟!!‏‏‏

وهل خلت تلك القراءات من تعصب سياسي عرقي مذهبي مثلاً؟؟!!‏‏‏

وجد بعض الباحثين أن أقدم نص مكتوب وردت فيه تسمية العرب، هو نص آشوري من أيام الملك (شلمنصر الثاني أو الثالث) بمعنى بداوة و إمارة ومشيخة، وكانت تحكم في البادية المتاخمة للحدود الآشورية ويتوسع حكمها ويتقلص تبعاً للظروف السياسية وشخصية الأمير الذي لقَّب نفسه باسم (الملك) وكان يقال له آنذاك (جنديبو) أي جُنْدُب بالعربية، وقد كانت صلاته حسب ما يفيد النص – بالآشوريين غير حميدة.( 3)‏‏‏

ويسهب الدكتور محمد ياسر شرف الدين بإيراد كثير من قراءات المستشرقين حول ورود كلمة عرب وعربي سواء في التوراة أو في الآداب اليونانية ولا يتعارض مع ما جاء به جرجي زيدان في (الفلسفة اللغوية) حين قال: وقد كانت الأمم المجاورة تطلق اسم العرب على القبائل التي غلب عليها البداوة أي أن اسم العرب كان يقابل عندهم شعوب البادية لا علماً لأمة بعينها، واستعمال النقش لكلمة العرب لكلمة العرب استعمال خاص يخالف ما كان معروفاً من قبل، فهو يدل هنا على أمة بعينها من أمم البدو. وقد كان العرب إلى القرن الرابع أو الثالث بعد الميلاد تغلب عليها حضارة نبطية وآرامية وكانت نقوشهم كلها بلغة من اللغات الآرامية. ولهذا يعدُّ هذا النقش أول نقش عربي يعبر فيه العرب عن أنفسهم وعن شمال الجزيرة، فالدول العربية التي أخذت بالحضارة الآرامية زالت شخصيتها وتحولت على ولايات رومانية منها مملكة النبط (106م) ومملكة تدمر( 273 م) .(4)‏‏‏

ونعود لنختم هنا في هذا الشأن بما ذهب إليه الدكتور جمال الدين الخضور في كتابه المذكور آنفاً – عودة التاريخ – الجزء الأول- ص19‏‏‏

فيميز ما بين العروبة والعربي والعروبي بالقول:‏‏‏

فالعروبة اسم يُرادُ به خصائص الجنس العربي ومزاياه (المعجم الوسيط) وهذا يعني منظومة البناء المعرفي الأناسي التي تحمل في مكوناتها جملة المواصفات المتمحورة حول أساس لغوي واحد وبنية ميتولوجية معتقدية واحدة وجغرافية وتاريخية واحدة وتاريخ جغرافي واحد وسيكيولوجيا جمعية واحدة وتأسيس حضاري واحد وتمحور تقني واحد ومرتكزات منظومة بدورها عقلية واحدة.. تتعدد مظاهر حركيتها وتتنوع ولكنها تبقى متمحورة حول بنية مركزية واحدة متطورة بدورها تماماً كما تتعدد مظاهر الخيال الاجتماعي الواحد أو أشكال الذاكرة الجمعية الواحدة..‏‏‏

أما العربي: فهو من يحمل سمات المبادئ والمعاهد وجملة الأنساق الناظمة للخصائص المميزة للجنس العربي أي يختلف عن (العروبي) بتوفر العناصر الناظمة للخصائص التي تكون متوفرة في التاريخ القبلي ولكنها لم تصل إلى درجة التعقيد للمنظومة التي تصوغ السيرورة التالية لتطور عناصرها.(5)‏‏‏

الهوامش‏‏‏

1 – د. جمال الدين الخضور – عودة التاريخ الجزء الأول – ص7‏‏‏

2 - محمود حاج حسين - تاريخ الكتابة العربية وتطورها – الجزء الأول – وزارة الثقافة – دمشق 2004ص14‏‏‏

3 - د. محمد ياسر شرف الدين – تدوين الثقافة العربي – الهيئة العامة للكتاب – دمشق -2009 ص19‏‏‏

4 - جرجي زيدان – الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية –دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع- لبنان - بيروت -1987-ص56‏‏‏

5- د. جمال الدين الخضور – عودة التاريخ – الجزء الأول – ص 19‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية