تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مدينةُ النور

ملحق ثقافي
2018/9/18
ميساء محمد

قادتني خطاي إلى مدينة كالنور

طرق بلا أقدار‏‏

عتبات من رخام عمرٍ هاربٍ‏‏

إلى دروب اللارجوع‏‏

رياحينُ‏‏

سياجها تسلّقه ياسمين المقل‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

قادتني خطاي إلى مدينة النور‏‏

خلعت حذائي الملطّخ بالخطيئة‏‏

ومشيتُ عاريةَ الأسفار‏‏

وجوهٌ باسمةٌ وسكونٌ كالموت‏‏

هل هو الموت حقّاً؟‏‏

أم أنّي أُصبتُ بصمم الحقيقة‏‏

مشيتُ ومشيتُ ومشيتْ‏‏

كلّهم ينظرون إليّ مبتسمين‏‏

ذاك أسمرُ وهذا أبيضُ‏‏

وتلك ذات العينين الزرقاوين‏‏

كم أنت جميلةٌ أيتها الصبيّة‏‏

لم تجبني‏‏

اكتفت بالصمت واكتفيتُ بالنظر‏‏

على كلّ ناصيةٍ صورةٌ‏‏

ونقش أنفاسٍ على رخام التكوين‏‏

حلّ المساء وتكسّر ضوء القمر‏‏

تهاوت النجوم وزنّرت خصر المدينة‏‏

لترسم أساور الضياء‏‏

خانتني عيناي وتثاءب الهدب‏‏

جلستُ على عتبة من رخام أسود‏‏

اسمح لي يا سيدي بالجلوس‏‏

فقد أنهكتني الغربة‏‏

لم يجبني واكتفى بابتسامة خاطفة‏‏

الثواني تتسارع وقلبي ينبض‏‏

ثمّة رعشاتٍ تخترقُ السكون‏‏

الشمس تسطع.. لكنّه الليل‏‏

تائهة النظر لكني أرى‏‏

رجالاً ونساءً وأطفال‏‏

بثيابٍ بيضاءَ‏‏

ووجوهٍ كشعاع فجرٍ‏‏

الدفءُ أسدل خيوطه على المكان‏‏

فُتِحتْ كلّ الأبواب‏‏

السماء تمطر شهباً‏‏

تراقصت المجرّات‏‏

تدفّق ماء‏‏

وانحنت الزنابق‏‏

صوتٌ أجشُّ من بعيد‏‏

تعالي أيتها الحياة‏‏

ادخلي..‏‏

تلمّستُ عريَّ قدري‏‏

شباب ضياء شامخون في درك الأرض‏‏

مدّوا أجسادهم‏‏

اعبري إلى ضفتنا‏‏

الطريق خطرة وكثيرة العثرات‏‏

غرف تحوّلت لجسور عبار‏‏

أنا يا صديقتي يوسف‏‏

كان أبي أسماني حبّاً بالنبي يوسف‏‏

لكن أخوتي لم يرموني بالجبّ‏‏

هم ذات قلوب متحجرة‏‏

ذبحوني بعلبة سردين عند تلك الصخرة‏‏

دمي رسم خريطة وطن‏‏

هم لن يروها لأنهم بلا وطن‏‏

لا يعلمون أني لم أتألم‏‏

قولي لأبي ألا يبكي‏‏

أنا أعيش بسلام في مدينة النور‏‏

وأنا يا صديقتي ناسكٌ‏‏

كنت في بلاد الروح‏‏

بلا عنوان ولا جسد‏‏

أمي هناك تسكن بجانب النبع‏‏

شجرة الدلب والبلّوط ملجؤها‏‏

أبلغيها أنّ بيتي هنا لتأتي وتزورني‏‏

فأنا في عبق التكوين‏‏

تنقلت خطواتي‏‏

يطالعني طفلٌ بلا ملامح‏‏

حبله السريّ معلّقٌ بالسحاب‏‏

أنا لا اسم لي ولا سكن إلاّ رحم أمي‏‏

بقروا بطنها وأطلقوا رصاصة فتصدّع السكون‏‏

لا يعلموا أنّهم بعثوني للحياة من جديد‏‏

وحبلي السريّ يمدني يصلني بمدينة النور‏‏

تثاقل نبض قلبي‏‏

تلك بعينيها الزرقاوين تنظر إليّ بجفاء‏‏

لمَ أنت هنا أيتها الحياة؟‏‏

لا نريدك..لم تعد تغرينا ضحكاتك‏‏

أو رقص حباريك‏‏

من أنت أيتها البهيّة؟‏‏

أنا علياءُ النّور‏‏

تناثر جسدي والتصق بعبرات الزمن‏‏

فكنت نقاء روح‏‏

ارحلي أيتها الحياة فلا مكان لك في سطور مجدنا‏‏

انتعلي حذاء خطيئتك وارحلي‏‏

هي مدينتا.. صفحاتنا.. وصمتنا‏‏

خذي حذاءك الأسود الملوّث بعفن العقول‏‏

ارحلي فلا مكان لك في مدينة النور‏‏

لملمي خطاياك وارحلي‏‏

فلا مكان لك في مدينة النور‏‏

لا مكان لك في مدينة النور‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية