وأعاد العرب بعد ألفي عام تقريباً هذا الاكتشاف, ولم يقتربوا من السكان الأصليين. أما الاكتشاف الثالث فقد كان على يد الغربيين, وكان ضربة نهائية. لم يرد الغربيون أذية أحد, لذلك فقد اكتفوا بسلخ جلود الهنود الحمر, وصنعوا منها سروجاً لخيولهم السريعة. التاريخ يكتبه القوي, ويمزقه القوي أىضاً. هل كنا أقوياء فعلاً أم واهمين? يتطوع أحمد منصور في برنامجه (بلا حدود) للبحث عن مكامن قوتنا في تغيير مجرى التاريخ, ويلتقي البروفسور فؤاد سيزكين, مؤسس معهد العلوم العربية والاسلامية, وأستاذ العلوم العربية والاسلامية في جامعة فرانكفورت. ليس حلماً, أبداً, أن تشاهد خريطة ترسم رحلة السفينة العربية إلى أميركا عام,1420 أي قبل 70 عاماً من وصول الغرب إليها. وليس حلماً أيضاً, أن تشاهد خرائط للمقدسي تعود للقرن الرابع الهجري, وهي دقيقة وقريبة من الخرائط الحالية. وهذه الخرائط, اعتمد عليها الغرب في وضع خرائطه, ولكنه تأخر ثمانية قرون. أثبتت خرائط المأمون, أن بطليموس وسلفه مورينوس, قد فشلا بعمل الخرائط, لاعتمادهما على خطوط الطول فقط, لذلك فقد بدت البحار والمحيطات, كبحيرات محاطة بالقارات. أما خرائط المأمون عام 218 هجري,فقدكانت ترسم واقع الجغرافيا للكرة الأرضية.
ماذا يهمنا اليوم, ونحن مهددون جغرافياً,أن يكون كريستوف كولومبوس, قد اعتمد على الخرائط العربية للوصول إلى القارة الجديدة? وماذا يهمنا أيضاً, وقد أضعنا الجهات, أن يكون كولومبوس قد استخدم البوصلة العربية في رحلاته? يتحسر سيزكين على ذلك الماضي, الذي نبغ فيه البيروني والإدريسي والمقدسي والزهراوي. ويجد, بعد بحوث دامت 23 عاماً,أن الطب الغربي, قام على المكتشفات والاختراعات العربية, فهناك مثلاً 400 آلة في علم الأمراض, صنعها العرب, واستخدمها الغرب.يحق لك أن تحزن, وأن تستاء قدر ما تشاء, حين تعلم أنه عندما كانت أوروبا لا تزال ترصد النجوم والشمس ببدائية يرثى لها, كان العرب قد اخترعوا الاسطرلاب, ووصلوا إلى حسابات دقيقة مذهلة. ولم يتوقفوا عندهذا, بل اكتشفوا الدورة الدموية الصغرى, وقانون سريان المرض من إنسان لآخر, وكانوا أول من اخترع المدفع والقنبلة والدبابة, وطبقوا البارود في الأسلحة. كل هذا انتقل إلى الغرب, دون أن يترك له أثراً عندنا. سيزكين متفائل بعودة العرب إلى مراكز صدارتهم الكونية, ولكن مع شرط بسيط: (أن يثقوا بأنفسهم) ويعيدوا النظر في تاريخهم ويفكروا في وسيلة لتجاوز محنتهم. وكأن سيزكين يطرح شروطاً تعجيزية, وهو يعلم أننا تخلينا عن القراءة منذ زمن بعيد, ولا وقت لدينا لقراءة تاريخنا حتى, ثم إننا نستمتع بإنجازات العالم أجمع, دون أن نتعب أنفسنا, وأخيراً فنحن واثقون من أنفسنا, لدرجة أننا لا ننتبه لوجود أي محنة يجب تجاوزها.