يملك التلفزيون السوري بضع ساعات فائضة عن بثه, ثلاث أو أربع ساعات يومية
تزيد عن قدرته على القول وعن قدرة المشاهدين على السماع. باختصار:
إنها تلك الساعات الضرورية للقيلولة والتي يقفل فيها جميع البائعين محلاتهم ويذهبون إلى الغداء مخلفين وراءهم لوحة صغيرة كتب عليها: سنعود بعد قليل.. وبما أن هذا مستحيل أي لا يستطيع القائمون على التلفزيون أن يقفلوه ويذهبوا للغداء فإنهم يضطرون إلى ملء هذه الساعات الميتة كيفما اتفق, ببرامج لا تعني أحدا وغير موجهة إلى أحد انها فقط أشياء تثبت أن المحل مازال مفتوحا وانه جاهز لتلبية رغبات الزبائن وعلى مدار الأربع وعشرين ساعة.
من على سبيل المثال يتابع برامج المنظمات الشعبية..? إلى من تتوجه هذه البرامج..?
انها تتوجه إلى جمهور محدد بلاشك وهو يتألف من اولئك الناس الذين يقفلون تلفزيوناتهم في أوقات بث هذه البرامج بالضبط ليس من أجل النوم بل بسبب الضجر..!!
منذ سنوات طويلة خطط أحد ما للأمر على هذا النحو:
يجب أن يستقطب التلفزيون الوطني (الحبيب) جميع شرائح المجتمع ولذلك فلابد من برنامج لكل واحدة من هذه الشرائح: برنامج للعمال, وبرنامج للفلاحين, وبرنامج للمعلمين... وآخر للطلائعيين ...
ويبدو أن جهد هذا ( الأحد الما) قد توقف عند حدود التخطيط اذ لم يكلف نفسه عناء التدقيق في النتائج وإلا لكان اكتشف ومنذ وقت مبكر جدا أن هذه البرامج قد تركت لرحمة الصدفة والواقع وللأسف الشديد فإن الصدفة لم تخدم هذه البرامج كثيرا اذ لم تضع في طريقها عددا معتبرا من المشاهدين في أي يوم.
مشكلة برامج المنظمات الشعبية انها حملت إلى جمهورها المفترض كل ما يكرهه ويسعى إلى تجنبه. بمعنى آخر: لقد كانت مادتها هي الاشياء التي يسرع الجمهور إلى البيت رغبة في نسيانها: محاضر اجتماعات, خطب المسؤولين , وعود لا تتحقق, أهازيج لا تطرب...
وهكذا فقد نفضت كل شريحة يدها من البرنامج المخصص لها, لا العمال تابعوا ( مع العمال) ولا الفلاحون اقتنعوا بأن ( ارضنا الخضراء) يعنيهم فيما فضل الطلائعيون ( توم وجيري) وتسمر الشبيبيون أمام أي برنامج لا يذكرهم ببرنامج ( الشبيبة)...
وبالطبع لا ينتظر أحد أن يقوم العمال بمتابعة برنامج الفلاحين أو يتابع صغار الكسبة برنامج رفاقهم الشبيبيين أو يتسمر الطلائعيون أمام برنامج ( بناة الأجيال) والنتيجة: برامج كأنما صنعت للهواء فقط...
لماذا..? سؤال هو الأهم والأكثر الحاحا في كل الأوقات وفي جميع الشؤون لأنه يتعلق بالهدف والجدوى..
لماذا يصر التلفزيون السوري على عرض برامج المنظمات الشعبية? الإجابة متروكة لمسؤولي التلفزيون واعتقد انهم لن يجدوا سوى إجابة وحيدة: هذا ما وجدنا عليه آباءنا..