تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أميركا والنازية..علاقة سرية تاريخية

عن Press tv
ترجمـــــــــــة
الأحد 19-5-2013
 ترجمة رنده القاسم

كما هي العادة، تظهر الاحتفالات السنوية بيوم نصر أوروبا، والتي تعقد هذا الشهر، انغماس الحكومات الغربية في تمجيد ذاتها وتفوقها الأخلاقي الذي أدى إلى هزيمة النازية الألمانية. غير أن كتب التاريخ الرسمية لا تروي الميثاق السري الذي شكلته حكومات الغرب وواشنطن بشكل خاص من بقايا آلة الحرب النازية.

فمع نهاية الحرب العالمية الثانية كانت الـ CIA ومنظمات غربية أخرى قد تشربت الممارسات العسكرية والاستخباراتية النازية،الأمر الذي كانت له عواقب مشؤومة ومهلكة إلى حد بعيد، والتي أضحت أكثر وضوحا في أيامنا هذه مع قيادة الولايات المتحدة لحروب عدوانية على امتداد العالم.‏

وان أردنا فهم أسباب الحروب العدوانية الأميركية، السرية والعلنية، التي ابتلي بها العالم من العراق إلى أفغانستان إلى ليبيا فسورية وإيران، فان علينا العودة إلى أحداث نهاية الحرب العالمية الثانية.‏

خلال الأيام التي تلت استسلام النازية الألمانية غير المشروط للحلفاء (قبل ثمانية وستين عاما) كانت القوى الغربية المؤلفة من الولايات المتحدة وبريطانيا ترسم خطوط المعركة للحرب التالية ضد الاتحاد السوفييتي.‏

في 22 أيار 1945، قام رئيس استخبارات الرايخ الثالث في الجبهة الشرقية، اللواء رينهارد غيهلين، بتسليم نفسه إلى الجيش الأميركي بالقرب من مخبئه في بافاريا. وسريعا ما أدرك الأميركيون أهمية هذا الأمر، فـ غيهلين هو»أستاذ التجسس» العامل لدى هتلر خلال الحرب النازية الألمانية على الاتحاد السوفييتي، وكان مكلفا بتحريك العملاء وفرق الموت وجمع المعلومات حول البنية التحتية للسوفييت والجيش الأحمر.‏

غير أن غيهلين كان قد جهز بشكل جيد موضوع استسلامه للأميركيين، إذ قايض على ممتلكاته من المعلومات الاستخباراتية الوفيرة مقابل حريته وعوضا عن تسليمه إلى السوفييت كمجرم حرب مطلوب، الأمر الذي كان من المفترض أن يقوم به الأميركيون كجزء من معاهدة بين الحلفاء في مؤتمر يالطا قبل أسابيع من انتهاء الحرب. لقد أراد السوفييت غيهلين وملفاته الهامة جدا، وعلموا أن الأميركيين قد خرقوا العهد.‏

ولم يمنح جاسوس هتلر حريته فحسب، بل انه طار إلى واشنطن واستقبل بذراعين مفتوحين من قبل أكبر مسؤولي استخبارات لدى الرئيس ترومان. ومع حلول العام التالي، عمل غيهلين مع الاستخبارات العسكرية الأميركية على تأسيس جيش سري معاد للسوفييت يعمل عبر أوروبا الشرقية والبلطيق وداخل الأراضي الروسية. ومنظمه غيهلين،كما أصبحت معروفة فيما بعد، كانت عيون وآذان واشنطن في الاتحاد السوفييتي.‏

جون فوستير دوليس كان من أكثر الأميركيين المقربين لـ غيهلين، وكان يقود المكتب الأميركي للخدمات الإستراتيجية (OSS) في اوروبا خلال الحرب. ويشترك دوليس مع غيهلين بآرائه الشرسة ضد الشيوعية، ولتبرير التعاون الأميركي مع مسؤول سابق في الرايخ الثالث قال دوليس: «انه في صفنا، وهذا كل ما يهم». وسرعان ما تحولت OSS إلى وكالة الاستخبارات المركزية وأضحى دوليس مديرها.‏

وإذا كانت محاكم نورنبيرغ قد اشتهرت بمقاضاة الكثير من القادة النازيين الهامين، فان الأمر الأقل شيوعا هوأن الولايات المتحدة كانت تجند آلاف النازيين من علماء وصناعيين وعسكريين ورجال استخبارات.‏

منظمة غيهلين كانت حجر الأساس للـ CIA ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). والجزء الهام من اتفاقية الأميركيين مع رينهارد غيهلين لم يكن فقط تزويدهم بكل الملفات الإستخباراتية حول الاتحاد السوفييتي، ولكن أيضا تسليم خدمات كل معارفه والعاملين لديه في الجبهة الشرقية الواسعة لفيرماخت (القوات المسلحة لألمانيا).‏

لقد غض الأميركيون والبريطانيون الطرف عن تحرير آلاف الشخصيات النازية السابقه من معسكرات اسرى الحرب او اخراجهم من مخابئهم لأجل الانضمام إلى صفوف منظمة غيهلين، وكانوا يضمون مجرمي حرب وأعضاء سابقين في جستابو(البوليس السري النازي)، فافن اس اس، أينزاتسغروبن، وهي فرق الموت المتحركة التي ارتكبت إبادات جماعية خلال الهجوم النازي ضد الاتحاد السوفييتي في عملية بربروسا (1941-44)‏

ووفقا لكتاب كريستوفير سيمبسون، الانفجار العكسي، فان شخصيات نازية سيئة الصيت من فرق الموت، مثل كلاوس باربي، فرانز سيكس وأميل أوغسبيرغ حصلوا على المساعدة للهروب من العدالة واعادة توظيفهم في خدمة الاستخبارات العسكرية الأميركية والناتوضد الاتحاد السوفييتي فيما عرف بالحرب الباردة.‏

ولسنوات تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، كان عمل منظمة غيهلين التجسس والتخريب والاغتيالات والارهاب المدعوم من الدولة نيابة عن الـ CIA الأميركية والناتو وراء حدود الأعداء في الأراضي السوفييتية وتمتد إلى البلقان والبحر الأسود. وغادر الآلاف من مجرمي الحرب النازيين أوروبا باشراف أميركي ليقيموا في أميركا الجنوبية. بعضهم ظهر على السطح ثانيه كلاعبين أساسيين في الدكتاتوريات المدعومة من أميركا الوسطى والجنوبية خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات.‏

وكان لاندماج الولايات المتحدة مع آلة الحرب النازية أثره العميق على العلاقات السوفييتية -الغربية. فالاتحاد السوفييتي عانى من وطأة الاعتداءات النازية خلال الحرب العالمية الثانية، مع موت خمسين مليون من مواطنيه. ولذا ليس من الصعب تخيل شعور موسكوحيال قيام الولايات المتحدة بتوظيف جواسيس نازيين ورجال استخبارات وفرق عسكرية ودمى اوروبية شرقية، انها خيانة لا توصف وفي الواقع اعلان حرب من قبل من كان حليفا لها في زمن الحرب.‏

هذه الخيانة أسست مشهد الحرب الباردة التي عصفت بالعلاقات الدولية خلال العقود الستة التي تلت الحرب العالمية الثانية، وأضحى غيهلين مسؤول الاستخبارت الألمانية الغربية (BND) حتى تقاعده عام 1968 ومات عام 1979 وهوفي السابعة والسبعين.‏

واعتماد الـ CIA والبنتاغون والبيت الأبيض والناتو على آلة الحرب النازية من أجل استخباراتها كان الدليل على بداية سباق تسليح نووي مهلك، والنتيجة نموصناعة عسكرية أميركية ضخمة لا تشكل تهديدا على بقية العالم فحسب، بل وأيضا على المجتمع الأميركي بسبب النفقات الباهظة لأجل الاحتفاظ بهذه الصناعة النهمة.‏

ومن النتائج الأخرى أيضا تلك الايديولوجية المسعورة المعادية للشيوعية والممارسات العسكرية للنازية والتي تجسدت في السياسة الخارجية الأميركية والعقيدة العسكرية.‏

ومن سخرية القدر أن تحتفل الحكومات الأميركية والأوروبية كل عام بيوم النصر في اوروبا حين استسلم الرايخ الثالث في 8 و9 أيار عام 1945. وادعت واشنطن وحلفاؤها الغربيون بانهم أنقذوا العالم من الفاشية، ولعقود والحكومات الغربية تعيش هذا المجد المزعوم. والحكومات الغربية غير جديرة بشهادة الأخلاق التي حصلت عليها اذا أخذنا بعين الاعتبار التحالف الانتهازي الذي اقاموه على أنقاض الحرب مع بقايا الفاشية الألمانية.‏

وفي الواقع آلة الحرب النازية لم تستسلم لأنها وعلى الفور استخدمت كأساس للاستخبارات الأميركية والغربية ومؤسسات مكافحة التمرد.واذا استطلعنا أشلاء جرائم الحروب التي شنتها الولايات المتحدة والناتومنذ النهاية الرسمية للحرب الباردة، بما فيها المذابح في العراق وأفغانستان وليبيا وحاليا سورية، هذا لم نذكر العصابات في آسيا وافريقيا، عندها يجب ألا ننسى الفساد الأخلاقي في قلب تلك الحكومات والذي يعود أثره إلى نهاية الحرب العالمية الثانية. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، تتوضح أكثر فأكثر الشراكة السرية بين أميركا وآلة الحرب النازية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية