ولوحظ أنه بموافقة ومباركة من أوباما قامت الطائرات الإسرائيلية المقاتلة بشن هجوم على مواقع سورية منفذة في ذلك ضربة جوية على منشأة عسكرية في دمشق ومن ثم لم يلبث أوباما بعدها إلا أن وافق على عقد لقاء لبحث السلام في سورية مع روسيا ذلك الأمر الذي طالما سعت إليه روسيا على مدى الشهور.
لابد من القول بأن أوباما الذي وافق على عقد مؤتمر لإجراء محادثات قد أصبح الآن في موقف ضعيف لأن الحكومة السورية قد حققت انتصارات كبيرة في حربها على المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة ذلك لأن المكاسب التي حققتها على الأرض تعتبر ورقة رابحة في أي محادثات للسلام في الحين الذي أصبح به أوباما والمتمردون في وضع لا يسمح لهم بفرض شروطهم للمطالبة بأي شيء من سورية في الوقت الحاضر.
ثمة احتمال يقول بأن أوباما لا يرغب بالتعرض للمزيد من الفشل جراء تدخله في سورية لذلك سعى في اللحظة الأخيرة لحفظ ماء وجهه عبر الموافقة لإجراء اتفاقية سلام كما ويوجد احتمال آخر آيضا وهو أن تكون محادثات السلام ليست في واقعها إلا حيلة دبلوماسية ذكية يمارسها مع الإبقاء على نيته بشن حرب فعلية على هذا البلد، وفي هذه الحالة فإن محادثات السلام ستكون مبرراً وأداة للقيام بشن الحرب بذريعة مفادها أنه تمت محاولة السلام لكنها باءت بالفشل.
لدى أوباما دوافع وأسباب كثيرة للدخول في الحرب ذلك لأنه سيبدو بمظهر الرجل الضعيف المتردد على نحو كبير بل ويتعرض للنقد والتجريح في حال بقاء الرئيس السوري على سدة الحكم بعد ما أعلنته إدارة أوباما بأن نظام الأسد قد انتهى وعمدت إلى تسمية حكومة من السوريين في الخارج ممن يتعاملون مع الولايات المتحدة وحلفائها واعتبرتهم الممثلين الشرعيين للدولة السورية.
في هذا السياق، نعتت البي بي سي الحكومة الدمية التي تعتبر نفسها قيادة المعارضة السورية بأنها قيادة دأبُها التجول في العواصم العالمية وحضور الاجتماعات والمؤتمرات وإلقاء الخطابات الرنانة في المناسبات علما بأنها لا تمثل في الواقع إلا نفسها وليس لها من تأثير على المعارضة الموجودة في البلاد ولا على المقاتلين أيضاً. لكنه في مختلف الأحوال إذا تم التوصل إلى اتفاقية سلام فإن أولئك المبعدين السوريين الذين لا يمثلون سوى قلة قليلة من المتمردين هم من سيوكل إليهم التوقيع على أي اتفاقية تعقد.
يلاحظ بأن العديد من القادة السياسيين في الولايات المتحدة ما انفكوا يدعون للحرب على سورية مبررين مطلبهم باتهامات واهية وغير ثابتة تقوم على أن الحكومة السورية استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد المتمردين لكن مندوبة في الأمم المتحدة نوهت إلى أن العكس هو الصحيح وذكرت بأن ثمة دليلاً قاطعاً أن المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة قد استخدموا الأسلحة الكيماوية ضد الحكومة السورية.
تلك الحقيقة والحديث عنها لم يأخذ مجالاً إلا في الصفحات الداخلية للإعلام الأميركي هذا إن ذكرت أصلاً وعلى نحو مشابه فإن الأخبار التي ترد عن الجرائم التي يقترفها المتمردون الذين يرتكبون المذابح والتطهير العرقي على نحو واسع والكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان لا تنشر أيضا في الصفحات الأولى يضاف إلى ذلك تجاهل وسائل الإعلام والساسة الأميركيين للتفجيرات التي يقوم بها الإرهابيون الذين تدعمهم الولايات المتحدة الذين أفضت ارتكاباتهم إلى مصرع الكثير من المدنيين.
يبدو أن الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة تجاه سورية قد أخذ سمة التردد والتراجع بعد الوقوف على حقيقة تبين منها بأن غالبية المقاتلين المتمردين هم من المتطرفين الإسلاميين الذين يقاتلون للجهاد وتطبيق الشريعة ولا يفكرون البتة بتحقيق الديمقراطية. وفي هذا السياق ذكر مراسل صحيفة الغارديان بأن المجموعة المسلحة الرئيسة في سورية والتي يطلق عليها اسم الجيش السوري الحر تعاني الكثير جراء خسارتها للعديد من مقاتليها وقدراتها القتالية لصالح جبهة النصرة ذلك لأن تلك المنظمة الإسلامية المرتبطة بالقاعدة تعتبر الأكثر تأهيلا وتمويلا وتحفيزا للقتال ضد الحكومة السورية.
إن السياسة الخارجية للولايات المتحدة أصبحت تعتمد اعتمادا كليا على التهديد باستخدام قوتها التدميرية بعد أن أخذت قوتها ونفوذها الاقتصادي بالتراجع أمام كل من الصين ودول أخرى لذلك وجدت بأن لا مناص لها من رمي الجزرة الاقتصادية جانباً والعمل على استخدام العصا العسكرية الغليظة التي يرى الكثير من الخبراء في السياسة الخارجية الأميركية ضرورة استخدامها كي يثبت أوباما للعالم بأنه لا يلقي بكلماته جزافاً.
ذلك ما ترمي إليه الولايات المتحدة من تدخلها في سورية على الرغم من المخاطر التي قد تقود بها إلى حرب إقليمية يحتمل توسعها لتشمل لبنان وتركيا والعراق وإسرائيل وإيران والأردن والسعودية مع إمكانية التدخل لقوى أخرى ترتبط بها تلك الدول وعندها ستتم المواجهة بين الولايات المتحدة وأوروبة من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى ويصبح مصير الشرق الأوسط متوقف على التوازن بين تلك القوتين الكبيرتين.