فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية أجج الإرهاب الأعمى نار حقده ضد العراقيين، ليقتل في مناسبات متعددة مئات العراقيين الأبرياء ويخلف مئات الجرحى والمعوقين في عدد من التفجيرات الإرهابية المتزامنة التي استهدفت مناطق تختصر فسيفساء التنوع العراقي طائفياً واجتماعياً وسياسياًبحيث لم تسلم أماكن العبادة من مساجد وحسينيات من هذه الأعمال الإجرامية، وكأن الفاعل أراد أن يوجه رسائل متعددة بعنوان :جامع خلاصته ليس مسموح للعراقيين أن يخرجوا من سيناريو الموت والإرهاب الذي أعده الاحتلال الأميركي البغيض قبل رحيله، ممنوع عليهم أن يتصالحوا أو أن يستيعدوا وحدتهم أو أن يتفرغوا لبناء بلدهم ودولتهم التي هدمتها الحرب على أسس سليمة وقوية بعيداً عن الفرقة والانقسام والوصاية والتدخل الأجنبي، رسالة عنوانها الفتنة التي تأكل الأخضر واليابس وتقتل أي أمل بقيام عراق جديد.
التفجيرات التي تنوعت في أساليب تنفيذها واستهدافاتها، وتفاوتت في أعداد وحجم ضحاياها وضعت العراقيين أمام اختبار بالغ الخطورة وهو كيفية درء الفتنة وتفويت الفرصة على المخططين لهذه الأعمال الجبانة،لا سيما وأنها جاءت في جو مشحون تسوده التناقضات والفرقة والخلافات السياسية ودعوات التقسيم والفوضى التي ترعاها دول إقليمية وعربية معروفة وتستهدف منع قيام عراق قوي موحد ومعافى..وهي نفس العناوين التي اشتغل عليها وما زال يشتغل عليها الأميركيون وحلفاؤهم الصهاينة وبعض أدواتهم في المنطقة من مشيخات العار والنفط.
لم يعد سرا أن مشيخة أو دويلة قطر المارقة قد استثمرت 3 مليارات دولار في دعم وتسليح الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي تقاتل في سورية وهي نفس الجماعات التي تقاتل في العراق، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العراق وسورية يواجهان عدوا واحدا له ممول واحد وأجندة واحدة وهو تفتيت المنطقة وإضعاف دولها المحورية لكي تقوى شوكة المشيخات والكيانات الهجينة والمصطنعة على شاكلة قطر «القاعدة العسكرية لأميركا» وإسرائيل «القاعدة الاستعمارية للغرب» الطامحتين إلى أدوار كبيرة ومؤثرة في قضايا المنطقة، وهو أمر من الصعب أن يتحقق مع وجود دول قوية ومؤثرة كسورية والعراق وإيران.
الشعب العراقي الذي عانى طويلا في ظل الاحتلال وقدم مئات آلاف الضحايا على مذبح الحرية كان يمني النفس بأن يبدأ حقبة جديدة عنوانها المصالحة والاستقلال وعودة الأمن والاستقرار حتى تتهيأ ظروف إعادة بناء الدولة التي دمر الاحتلال مؤسساتها وبناها التحتية، ولكن المحتل الذي خرج ذليلا تحت جنح الظلام عاد عبر أدواته واستخباراته وعملائه، وهذا كان متوقعا، لأن الأميركيين لم يأتوا إلى العراق من أجل إقامة دولة ديمقراطية تطبق فيها قيم العدالة والحرية والتسامح، بل جاؤوا لنهب ثرواته وتدميره ومنعه من النهوض ومن ثم الوقوف إلى جانب أشقائه في معاركهم ضد الصهيونية التي تستهدفهم جميعا، وهذا ما يجري اليوم، فالعراق الذي اتخذ موقفاً أصيلا تجاه الأزمة في سورية بات مستهدفا بوحدته وشعبه، ومن يتابع التغطية الإعلامية لتطورات العراق وأحداثه والتحريض الذي تبثه وسائل إعلام المشيخات الخليجية سيدرك سريعاً سر استهداف العراق في هذا التوقيت بالذات ولمصلحة من.
فالأميركيون اليوم وأدواتهم في المنطقة من قطر إلى تركيا مروراً بإسرائيل يبحثون عن إنجاز يغطون فيه إخفاقاتهم الكثيرة في ملفات عديدة ، ولا سيما الأزمة السورية، ولهذا يرجح أن تبقى أياديهم القذرة منغمسة بالشأن العراقي في محاولة لرسم خريطة المنطقة مجددا عبر بوابة العراق، ولا شك أن العراق الجريح والمنقسم يشكل مرتعا مناسبا وسهلا لمثل هذه المحاولة، بالنظر لتنوعه الطائفي والعرقي، والأزمة السياسية التي تعصف به جراء الصراع والتناحر الدائر حاليا بين الأحزاب والتكتلات التي تشكل المشهد السياسي والحكومي، وما من شك أن الوجود المكثف لعناصر تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق والنشاط التخريبي الذي يقوم به سيزيد من تعقيد الأزمة مع وجود بيئة حاضنة ودول قريبة ممولة.
إذا العراق كما سورية مستهدفان لأنهما يشكلان جوهر العروبة، ولذلك فإن الحرب عليهما ستتواصل بأشكال مختلفة، لأن الرهان الأميركي والصهيوني على تفتيت المنطقة عبر إشعال نيران الفتنة التناحر بين أبناء الأمة الواحدة لا يزال قائما، ومن يدقق في تفجيرات العراق وبعض الأحداث في سورية كنبش قبور الصحابة سيجد فيها استدعاء للفتنة والحرب الأهلية، وهي أعمال استخباراتية بامتياز، وإذا كانت قوات الاحتلال قد غادرت العراق إلا أن استخباراتهم لم تغادر ولم تترك الساحة، ولذلك ينبغي على العراقيين اليقظة والانتباه، وتفويت الفرصة على المتربصين عبر الذهاب للمصالحة ودعم حكومتهم ومؤسساتهم العسكرية والأمنية لطرد ال سي أي إيه وعملائهم من تنظيم القاعدة والعناصر المتطرفة، وإلا فإن ما ينتظر العراق غاية في التعقيد والخطورة..؟!