تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ضيّعوا فلسطين .. ولم يتّعظوا!!

الأحد 19-5-2013
سلوى خليل الأمين

منذ 65 عاما وفلسطين في ذاكرتنا بلدا عربيا ضائعا في كراريس الكبار، وذكرى مستمرة في عقول أبنائها والمناضلين الشرفاء، لهذا ما زلنا لتاريخه نشهد على نكبة فلسطين

وما يتبعها من نكبات عربية موقعة بأقلام أهل الدار والأخوة والأشقاء، فكما راهنوا على ضياع فلسطين وشطبها من خارطة الزمن وذاكرة الأمكنة، هكذا راهنوا وما زالوا يراهنون على تفكيك سورية ولبنان والعراق، وكل دول الصمود والتصدي الواقفة لهم بالمرصاد من أجل قيام جبهة عربية واحدة، لا تسقط نكبة فلسطين من أجنداتها،ولا تلتحف سماء واشنطن وغيثها المرير.‏

قيل في ما مضى ، أن الموت قادم ، سيأخذ أبناء النكبة الفلسطينية إلى قبورهم ، حيث تدفن معهم فلسطين ولا يبقى منها في الذاكرة أثر، ونسوا أن مفاتيح البيوت الفلسطينية علقت في رقاب أبنائها حرزا أمينا ، مصانا من عثرات الدهر، لحين العودة، التي توارث أفكارها ومضامينها الأبناء والأحفاد وكل مولود فلسطيني جديد تستريح فلسطين في دثاره ، راية مجللة بالأمل والحب الذي سيبقى خافقا فوق ذرا فلسطين، ما دامت عروق أبنائها تنبض بالنضال، والإيمان باسترجاع الحق السليب.‏

صغيرة .. كنت، في بلدتي الجنوبية اللبنانية، حين لمحت في رقبة العجوز «أم صلاح» المهاجرة قسرا من وطنها فلسطين، مفتاحا يتصدر عنقها ، تلمسه باستمرار،كأنها تبارك مثواه في أعلى الصدر، حيث قلبها هو الحارس الأمين للكنز المفتاح، الذي علق في شريط أسود، لم أفهم مغزاه ومعناه ، إلا حين دبت في عقولنا الفتية شرارات العروبة التي أيقظتنا من أحلام الطفولة، وأدخلتنا في دهاليز الواقع المأساوي والمؤلم، ألا وهو ضياع فلسطين.‏

وها هم من جديد يتآمرون على بلد عربي آخر هو سورية، يريدون طمس معالم العروبة في حاراتها والدروب، ويقنصون رائحة الحياة المعطرة بالياسمين من مسالكها الآمنه، ويعدمون الناس بطلقة واحدة من مسدس أمسكه مجرم إرهابي وغبي ، تلقى الأوامر بقتل الأبرياء من أبناء سورية الأوفياء، باسم الله العلي القدير زورا وبهتانا ، لمجرد أنهم موالون لوطنهم سورية. مر الشريط أمام ناظري وأنظار العالم كله على محطات التلفزة الفضائية، فلم نر أجفانهم تهتز، ولا إنسانيتهم تتحرك،ولا أبواقهم المنادية بالحرية والديموقراطية تدين بشاعة الحدث،ولا جمعياتهم الناطقة باسم حقوق الإنسان ترفع الصوت مستنكرة الفعل الإجرامي المنظور، ثم نجدهم يفرضون الشروط الاستباقية للقبول بالتسوية القادمة عبر «جنيف 2»، التي أيدتها القيادة السورية وأركان الدولة ، ليس من موقع الانهزام أو الالتفاف على حركة الثبات والصمود ، التي ما زالت شراراتها (مشرقطة) في الضمائر السورية وسواعدهم وعقولهم ،وإنما حقنا للدماء التي تسال غدرا باسم الشعارات المزيفة ، وحرصا على كشف المواقف العميلة التي ما زالت تتلقى الأوامر من الشياطين القابعين في دهاليز البيت الأبيض الأميركي، وتل أبيب، وقطر، وتركيا التي يتباهى أردوغانها في حضرة الراعي الأميركي بأنه المثل والمثال في تنفيذ ما يطلب منه، وملخصه تدمير سورية وتقسيمها وهدم دولتها القوية العادلة، إضافة إلى مطالبته الرئيس الأميركي باراك أوباما ، خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية، بإحياء عملية الحظر الجوي فوق سورية، متناسيا أن سورية هي بلد العدالة والتنمية التي حققت خلال أربعين عاما في المجالات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والمعرفية والدفاعية والزراعية ، دون أي تمييز ديني أو طائفي أو عرقي أو مناطقي، حيث بقيت سورية، المحكومة بتعدديتها الدينية ، الأنموذج الحي المتحرك فوق متاهات الدهور، لجهة الحرص على الحرية المطلقة لممارسة أبناء مختلف الطوائف شعائرهم الدينية دون قيد أو شرط ، بالرغم من علمانية الدولة السورية التي احترمت الواقع السوري التعددي بكل احترام .‏

لهذا كله ، وسورية في قلب المعركة المصيرية ، التي من خلالها يتم التحديد : أنكون الأمة العربية القوية أو لا نكون، لا بد في ذكرى ضياع فلسطين ، من التذكير الدائم بالنكبة، بكل انشطاراتها المؤذية وواقعها الأليم، المعطوف على عدم جرأة العرب وقدرتهم على توحيد صفوفهم، من أجل التمسك بحق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، لأن الخطط الآيلة إلى بعثرة ثروات الشعوب العربية يراد منه تدمير دول الجبهة الشرقية، التي هي المقتل الرئيس لإسرائيل، عنيت لبنان وسورية والعراق والأردن، ففي العراق ما زالت زمرهم الإرهابية تستبيح قتل الناس بالعشرات بل بالمئات ،عبر متفجرات متنقلة تقلق أمن الناس وتبعثر هناءهم على دروب الحياة المستقرة، وفي الأردن يتم لف الطوق على مليكها الذي لا حول له ولا قوة،والحائر بين الوقوف إلى جانب شعبه المشبع بالقومية والعروبة، وبين مسايرة الأعراب الذين يمدونه بالمال المشروط بالطاعة العمياء، وفي لبنان حدث ولا حرج، فسلاح حزب الله هو الهدف الدائم لتحركاتهم المشبوهة، والتنافس السياسي على أشده بين فريق يتماهى في الحضن الأميركي والسعودي والقطري ولا يجد إسرائيل دولة عدوة يجب مقاومتها، وبين فريق آخر بذل الغالي والنفيس من أجل قضية فلسطين ووحدة لبنان وسيادته وحريته، وما زال مشدودا إلى عروبة سورية، وموقفها الثابت في الصمود والتصدي لأعداء الأمة، وأخيرا لا آخرا سورية التي ما زالت تتعرض لأبشع حرب كونية منذ عامين وأكثر ، نجد صورة الخيانة العربية مكشوفة للقاصي والداني ، إذ ما معنى أن تتحفنا دوائر الإحصائيات الغربية بخبر مفاده أن دولة قطر العربية صرفت لتاريخه ثلاث مليارات دولار من أجل خراب سورية وتفتيتها، وتسليمها للعصابات الإرهابية المتخلفة؟‏

من المؤسف أن البعض من الحكام العرب الذين ضيعوا فلسطين ولم يتعظوا، ما زالوا يعملون على تسطيح قضايانا العربية القومية، وهم يتحركون يمنة ويسرة لطمس قضية فلسطين، عبر صرف ثرواتهم على تبديل الفكر القومي العربي بفكر وصولي ، انتهازي، إرهابي ، عميل، ومتطرف، وعبر وضع مصطلحات غريبة في كراريس الأجيال الجديدة، لأن التاريخ في مدوناتهم لا يعود إلى الوراء، وأن الحضارة الغربية هي المصطلح الجديد لقيامة حضارة عربية جديدة مختلفة عما ورثوه وعما كتب في سجلات التاريخ العربي المجيد ، يعكس الأوضاع الاجتماعية والدينية وحتى الأخلاقية ويطبعها بطابع الحضارات الغربية المستجدة، البعيدة كل البعد عن قيمنا ومبادئنا وخصوصياتنا وتاريخنا الأصيل ، الذي لا يمكن إسقاطه من الذاكرة كما نكبة فلسطين، مهما تماهى الغدر في وجدانهم ومهما قل الوفاء.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية