أمّا باشلار فتهرّب من سؤال محاوره: هل هناك تعريف ممكن للفيلسوف، بقوله: «لقد اعتدت أن أقدّم تعريفاً للفيلسوف عندما كنت أدرس، لكني أضعته الآن»..
بدوره الفيلسوف الفرنسي المعاصر آلان باديو يُقدِم على تحديد تعريف يقترب من مجال «الفرضيات» تلك التي جعلها راسل مناخاً يعمل في ظلّه الفيلسوف.. جاعلاً منه، أي باديو، صانع مشكلات. وبتعبير أكثر ذكاء يقول: «هو مبتكر مشكلات.. والفيلسوف الأصيل هو من يحدد بنفسه المشكلات الهامة».
واحدة من أكثر الأشياء متعةً وإرهاقاً بذات الوقت، محاولة وضع تعريف لأمور تهرب من أي تحديد أو إطار يقسرها ضمن قالب يحدّ أفق جمالياتها وإمكانياتها معاً.
هل نستطيع تحديد تعريف وافٍ لكل ما يندرج ضمن بند المعارف والعلوم الإنسانية.. كأن نضع حدّاً فاصلاً بين معان ومصطلحات مثل: «المثقف، الفيلسوف، المفكّر».. وكيف يتمّ ابتكار آلية تُمايز بينها جميعاً..؟
بالتأكيد وعاء الفكر يشكّل حوضاً تعوم على ضفافه كل المفردات السابقة.. لكن ثمة درجات وأطياف تنغمس فيها بعضها أكثر من البعض الآخر.
من ذلك ذهاب بعض الدارسين إلى القول: إن المفكر أكثر معرفةً من المثقف لكنه لم يصل بعد إلى أطراف معرفة الفيلسوف مبتكر الفرضيات وصانع المشكلات والناظر، في الآن عينه، بسبل حلّها وإيجاد طرق لعلاجها عبر ابتكار مزيد من أفكار غير مطروقة ولا هي مدركة قبلاً..
هل يقترب بهذا المعنى من كونه:»أستاذ الحكمة» كما كانوا يطلقون عليه..؟
هل تأتي الحكمة من مجاورة الكثير والكثير جداً من الأفكار.. حتى لتغدو سرّاً يتلذذ المرء بمصاحبته دون سواه..؟
أعتقد أن سلسلة الأفكار تلك المتأتية من محاولات الغوص عميقاً في «الفكرة/الأم» تخلق أجواء لتوسيع أفق الإدراك.. ما يساهم بدوره بخلق مناخات من أفكار أخرى فرعية وليدة تلك «الفكرة، الأم، الأصل».. وبالتالي محاولة تحصيل إحاطة شاملة (المشكلة أو الفرضية).. وهو ما يقترب من تلك الفائدة التي ذكرها برتراند راسل للفلسفة بقوله: «إتساع نظرتكم عن العالم إلى مستوى الافتراض».. وأيضاً «هي تمكننا من الاستمرار في التفكير في الأشياء التي قد نعلمها يوماً»..
هل في كلامه نبرة تضفي على الفلسفة أفقاً استشرافياً لما قد يوجد في الغد..؟
مستوى تلاقح الأفكار يصل إلى ما بعد الممكن.. أو المتوقع..
أليست الكثير من الاختراعات والتطورات التي وصل إليها الجنس البشري في عصرنا هذا، كانت شبه مستحيلة وغير ممكنة في أزمنة سالفة..؟
فمن فوائد الفلسفة، وفق راسل: «الإبقاء على التكهنات المتعلّقة بالمسائل التي لا يستطيع العلم الآن أن يتطرق إليها».. لربما أصبحت مع مرور الزمن من مسلّمات العلم.
اللطيف والمفاجئ.. في كل تلك المقاربات التي ذكرها أولئك الفلاسفة.. أنها تجعل من كلمة فيلسوف، مشتملة على معانٍ ضدية، حين النظر إلى ظاهر تلك التعريفات دون عمقه...
lamisali25@yahoo.com