تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الموسيقى العربية في مواجهة تحديات العصر

ملحق ثقافي
الثلاثاء20 /12/2005
علي الأحمــــــــــــد

من واقع الموسيقى العربية اليوم و أزمتها المستدامة ، لا بد من القول : إن تشخيص عوامل هذه الأزمة و مسبباتها هو الخطوة الضرورية لتقديم الحلول الناجعة و المستطاعة بما يشكل سداً منيعاً في الوقوف ضد تحديات العصر و خاصة في مجال قضايا الموروث و الحداثة الموسيقية المطلوبة بما يفضي إلى تحقيق انطلاقة حقيقية نحو قراءات واعية و معمقة للنظام الموسيقي العربي و مفرداته الأصيلة التي غابت أو غيبت من النتاجات المعاصرة !!

- و للأمانة لابد من القول هنا : إن تشخيص أزمة الموسيقى العربية كان قد بدأ منذ بدايات القرن الماضي و تحديداً أثناء انعقاد المؤتمر الأول للموسيقى العربية عام 2391 في القاهرة، و تواترت الاهتمامات إلى يومنا هذا ، بحيث تم تراكم التوصيات و القرارات الهامة التي قدمت على كونها علاجاً ناجعاً لهذه الأزمات التي بدت بالرغم من ذلك مستعصية و غير قابلة للحل بسبب تعارض و اختلاف الرؤى بين الموسيقيين العرب و هو ما تؤكده على الدوام الصراعات الفنية الخفية و المعلنة ما بين تيارات الموروث و الأصالة و الحداثة و التجديد بما فرضته تحولات الحياة الحديثة و أثرها في بنية المجتمع العربي عموماً ، خاصة أن الموسيقي العربي واجه بدوره تحديات عديدة مع دخول تقانات و مفردات غربية قلبت الحياة الموسيقية العربية مما فرض لغة جديدة في الكتابة اللحنية و الصوتية و وسع مدارات و أفق اللغة الأصيلة بعد أن تماهت سنين طويلة مع مفردات طربية كان أغلبها يسعى أو يتبنى البعد الحسي و ليس النفسي الذي أسر الموسيقي العربي و كبل الصوت و حبسه في نطاق ضيق و محدود . - من هنا كان للمفردات الغربية الكلاسيكية دور هامٌ في إثراء هذه اللغة و منحها ألق حياة جديدة أثرت بدورها في الكثير من الممارسات الموسيقية التي غيبت العديد من الأنماط و القوالب الموسيقية الموروثة لتحل مكانها أنماط موسيقية تأرجحت ما بين البعد التعبيري و النفسي و البعد الاستهلاكي التجاري التي توسعت مداراته في يومنا هذا نتيجة لعوامل عديدة كنتيجة منطقية و طبيعية لعدم تنفيذ وتبني التوصيات و القرارات التي شرعتها المؤتمرات العتيدة للموسيقى العربية و مؤتمرات المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية بما قدم بدوره من إسهامات غنية و مخلصة في سبيل تشخيص حقيقي لهذه الأزمات المتواترة و التي أثرت دون شك في تثوير و ارتقاء ا للغة الموسيقية العربية المعاصرة و وضعها في سياقها و بعدها الإنساني المنشود . - إن فقدان الروح والوعي الحقيقي بعمق و مدى الأزمات الموسيقية المتصاعدة هو في المحصلة كارثة حقيقية بدأت نتائجها تظهر على سطح و تفاصيل الحياة الاجتماعية العربية بشكل يعكس بالمحصلة عمق الأزمة التربوية و الأخلاقية في مناخات بدأت تسيطر و تمتد كالأخطبوط في ثنايا و مفردات هذه الحياة و الاتجاه نحو سمت المناخات التجارية التي تتمثل اليوم بسوق ممتد من البضاعات الموسيقية الفاسدة التي تتبناها الكثير من المكانات الإعلامية و خاصة الفضائيات و الإذاعات الغنائية ذات التوجه النفعي الذي يتبنى منطق التاجر من ربح و خسارة على حساب القيم و المشاعر الإنسانية التي من المفروض على صناع هذا الفن من أن يتبنوها و يحملوها أعمالهم التي باتت فارغة من أي مضمون فكري أو وجداني يثري الذائقة و يغني الطقوس السمع بصرية بما يعيد الروح و البعد الجمالي المفقود لدور هذا الفن في بناء الوطن و الإنسان . - إن البيئة الموسيقية العربية اليوم ، مليئة مع كل أسف بالأمراض و الأوبئة الفتاكة التي باتت تفتك بجسم الحياة الموسيقية العربية دون أن يكون هناك ثمة علاج فعال و ناجع يشخص أولاً و قبل كل شيء الحالة المرضية و مسبباتها ليصل إلى العلاج الأمثل بعد أن عاث الفساد و الانحدار في أوصالها ، و الدواء برأينا متوافر عبر العودة المخلصة إلى الجذور و إلى منابع الروح الأصيلة في الكتابة الموسيقية تلك الروح المرنة و المطواعة و التي استفادت في كثير من مراحلها بالمفردات الوافدة من موسيقات مختلفة فأصبحت على الدوام نابضة بالحياة و مفردات الإبداع و التفرد قابلة للتعديل و التطوير من داخلها طوعاً و ليس قسراً ، حيث تم تقديم مشاهد موسيقية مضيئة تحمل بين طياتها ألواناً أصيلة موشاة بتأثيرات موسيقية للآخر الذي تحاور معه الموسيقي العربي و استفاد من مفرداته منذ القدم كما يخبرنا بذلك الأصفهاني في كتابه الموسوعي ( الأغاني ) و غيره من مؤرخين أثبتوا هذا الحوار الحضاري مابين الموسيقي العربي و الموسيقي الإغريقي و الفارسي قديماً و التركي أو الغربي الأوروبي في العصر الحديث بما وضع هذا الفن في مناخات تعبيرية و ذروات جمالية أخاذة كتب ورسم مشاهدها العظيمة أسماء مبدعين انطلقوا من موروثهم الموسيقي و جمالياته المتفردة ليكتبوا مشروعاً موسيقياً حداثياً في أبعاده الاجتماعية و الروحية ، هذا المشروع الذي اصطدم مرات عديدة بعقبات أعاقت ارتقاء لغته الجمالية خاصة في عدم توافر مكانات إعلامية تقدم مفرداته و تغني اسهاماته بقراءات نقدية أكاديمية حيث تم سيطرة المد الاستهلاكي على كافة هذه المكانات مما جعل هذا المشروع ينكفئ و يتراجع إلى الظل في استعادة للمقولة الشهيرة " العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة " ، و مع ذلك و من هذا الواقع المظلم كان على هذا المشروع أن يثبت قوته و حضوره في العديد من الفعاليات و المنتديات التي باتت تقام في الكثير من البلدان العربية و بلدان العالم و هو ما وسع دائرة الاهتمام و أفق المتابعة و التلقي بما شكل مادة خصبة للمتلقي العربي الذي بات مع النتاجات الاستهلاكية محروماً من موسيقاه و مفردات هويتها الإبداعية في سبيل الاندماج مع اللغة الواحدة القائمة التي تتبناها و تروج لها منظومة العولمة اليوم بما يشكل خطورة لا يمكن لأحد أن ينكرها على هذه المفردات الأصيلة التي هي نتاج عبقري لمفكري و مبدعي هذا الفن على مر آلاف السنين بما أصل هذه الروح الإبداعية و قدم من خلالها مدارس موسيقية كان لها تأثيرات و بصمات حقيقية في كثير من موسيقات العالم . - ختاماً لا بد من القول : إن الموسيقى العربية المعاصرة تواجه اليوم أزمات حقيقية على القيمين أن يتداركوا الأمر هذه المرة بشكل عملي بعد أن أشبع الموضوع بحثاً و تنظيراً خاصة في مجال الحفاظ على الهوية الموسيقية العربية و عناصر اللغة الموسيقية و خصوصياتها حيث باتت التكنولوجيا الحديثة و كما نعلم تؤثر بشكل سلبي في ذوبان هذه العناصر من مقامات و إيقاعات و آلات و طقوس الإنتاج و التلقي و غيرها من مفردات تشكل عبئاً ماثلاً أمام الموسيقي العربي الذي بات يفتقد روح التمرد و الثورة على واقع موسيقي معاصر يسير في مسار التبعية و الغربنة بما فرغ هذا الفن من مضمونه الإنساني الذي دافع عنه الرواد و أعلام هذا الفن منذ آلاف السنين و هو ما يفتقده المشهد الموسيقي المعاصر حيث تحمل العناوين التجارية الفاضحة مناخات الروح الحداثية المعولمة و تقدمها كنموذج أمثل لحركة و تطور هذا الفن و اندماجه في مفردات هذه الروح التي تشرعن الاقتباس و الذوبان و الإبهار الفارغ في سبيل إلغاء الروح الأصلية التي لم تعد تجد من يحتضنها و يدافع عنها لأنها و ببساطة تتعارض مع روح الاستهلاك و انعدام القيم التعبيرية و الجمالية ، هذه القيم التي تؤنس الإنسان في زمن بات يعتم على كل ما هو أصيل و نبيل في موسيقانا بمباركة هذه الروح الحداثية المعولمة التي لن تفضي إلا إلى الخواء الإبداعي و العماء الروحي الذي ما بعده عماء .‏

تعليقات الزوار

سكينة |  soukaina-dyali@hotmail.fr | 13/12/2007 22:36

شكرا على طرحكم لهدا الموضوع الدي بات يشغل بالي كلما رأت عدد مدعمي الموسيقى الغربية يزداد يوما بعد يوم لقد كنت قد وضعت ندوة في المؤسسة التي أدرس فيها تحت عنوان شباب اليوم بين تقاليد ديننا و تحديات العصر وتطرقت إلى هدا الجانب في الوضوع سكينة سيدي قاسم المغرب و شكرا

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية