مرثية الحمام القديم
ملحق ثقافي الثلاثاء20 /12/2005 طالب همـــــــاش ومر الحزانى على شجرِ العمر يبكونَ كالغرباء وكانَ نواحُ الكمنجاتِ مستشهداً بالبكاءِ،
وصوتُ الرباباتِ مستغرقاً بالأنينْ، وكانت غيومٌ تمطّرُ في أفقٍ موحشِ الريح، والقمحُ مستوحشا في الشمال الحزينْ! بأيديهم مسحوا فوق شيخوخةِ الروحِ هزّوا الجذوعَ التي يبست وانحنوا فوق دردارةِ الأرضِ فاسّاقطَ الدمعُ وانشقَّ حزنُ الجبينْ، إذن ياديارَ الصبا خبّريهم! بأنا ركضنا وراءَ الغيوم وجبنا مع الريحِ أوديةَ الحزنِ بحثاً عن الكلماتِ التي تقهر الموتَ في الروحِ،! أنا اصطففنا على الشرفاتِ الحزينةِ مثل التماثيلِ كي نتأمّلَ أطيافهم في الغيابِ وأنا انتظرنا طويلا ليأتونَ.. تلكَ البيوتُ التي فارقوها كما هي لكنها أقفرتْ والزمانُ الذي خاتلوهُ بأعمارهم شاخَ والبئر غاضت إلى أسفلِ السافلينْ، > ومرَّ الحزانى على أمسهم ظامئينْ، شتاءاتهم ضجرُ البرقِ في الروحِ، أحزانهم شجرٌ طالعٌ من ترابِ المواويلِ يأتونَ مثل الأحبّةِ في البال كيما يفيضوا بآحاد أيامهم في العشيّات يبكون أجداد أحزانهم في الحياة فيا ذئبُ ياحارسَ الليل بين جرود القرى رُدَّهم نحو قلبي الذي مات ردَّ عذاباتهم في الحياة، عتاباتهم آخر الليلِ واضربْ بسيفِ عوائكَ صحراءَ هذا الحنينْ، وردَّ الذين مضوا حاملينَ على العمرِ صلبانهم واستحالوا مزاميرَ مصلوبةَ اليأس تصدعُهَا الريحُ وهي تسفُّ رمالَ الصحارى وتلطمُ أفئدةَ العاشقينْ. كأن القرى ملجأُ الروحِ حين يشطُّ بها اليأسُ غابوا كما تغربُ الشمسُ خلف التلالِ وعادوا كما تُستعادُ المواويلُ مذروفةَ العبراتِ فما كانَ غيرُ زمانٍ قديمٍ طواحينُهُ لاتدورُ وأوقاتهُ لاتحينْ، وغير توجّع قمح جريح يراهقُ في الريحِ همساً حزينْ، ولم يبق غير رباب ضرير تصفّقُ في وحشة الصمتِ كفْاهُ ؟ أوّاهِ قد وخزَ الحزنُ قلبي بمخلبهِ المرّ واتهمتني بلادي بيأسي أنا الذابلُ الآن مثل أغانَيهُمْ آخرَ الليل أجعلُ صمتي قميصاً لتحديقةِ الميتينْ، كأنّ كلّ ما مرّ مني على هذه الأرضِ محضُ بكاءٍ على زمنٍ شاخَ تحت الركامْ، أما آن بعد الأوان لترجعَ نحو قراكَ التي ولدتكَ لتبكي على عمرها المتهدّمِ عاما فعامْ ؟ أما آنَ بعدُ الأوان لأهززَ صفصافة العمر كي تتساقطَ فوق ذبالاتها وأموتْ ؟! فتلتفّ حولي الأفاعي، ويقضم أوردتي ذكرُ العنكبوتْ ؟! كأنّيَ ما كنتُ غير غرابٍ يضاجعُ في الريحِ أنثى الغيومِ ويسقطُ في لجةِ الحزن منتحراً من رأى الليلَ محدودباً كالحدادِ على ندمي ؟ من رأى الريحَ موصولة بالشجونْ ؟! سمعتُ نواح القرى فالتفتُّ الى حزنها من بعيدٍ فشردني النايُ ياقرية الأمس ضمّي الى صدرك اليومَ وجهي لأسمعَ ماء النوافير حزنَ حمامِ الحواكيرِ لاتتركيني بأعتابِ بابكِ كالغرباءْ، أتيتُ لأشعلَ قنديلَ حزني وأبكي، أفتشُ عن قبرِ جدّي وأبكي على ذلك القبرِ عند المساءْ، أتيتُ لأغفو على حجرِ البيتِ مثل الغريبِ أما زالَ رفُّ السنونو يلمُّ بكاءَ المغيبِ ؟ ويخلدُ للنومِ عندَ العشاءْ ؟ وذاك السحاب الذي يتراكضُ خلف السحابِ الى حتفه في الاعالي لما زالَ في قلبهِ الغضّ قطرةُ ماءْ ؟ وأينَ الغيومُ التي تحملُ الروحَ في حزنها وتهاجرُ ياقريةً سيجَ الليل أقمارها بالدموعِ وشجرَ من حولها شجرُ البطمِ أحزانه كالضريحْ ؟ فصارت عروسةَ حزنِ القرى المرّ، أرملةَ لليتامى الوحيدينَ صوتكِ ماعادتِ الريحُ رجعَ صداهُ، ولن تدعيهِ الطبولُ التي تتذابحُ أنّاتها في الهواءِ الجريحْ، فكلّ الذين رأوكِ مضوا.. العاشقونَ الذين بكوا قمراً في العشيّةِ واتبعوهُ وناطورةُ الريحِ في الشجرِ الميتِ ياقريةَ الضائعَين سدى ذهب العمرُ ردّي بكائي القديمَ، وأحبابَ قلبي البعيدينَ، ردّي الفتاةَ المخصَّلةَ الحزنِ من وجعِ الليل، والمستحمّة في أنهرٍ من دموع الرياحينَ، اين هي الآن؟ هل دفنت حزنها تحت عاصفة القمح ثم استحالت الى شجوية حزن تهب على الروح مثل رياح الخماسينِ؟ تلك الفتاة التي اخترمت قلبها الغضَّ طلقة بارودةٍ في اقاصي الزفافِ فمالت على الموتِ كي تتساقطَ فوق الخرائبِ احزانها السودُ تاركةً وحشتي للضياعِ.. الفتاةُ التي شربَ النهرُ اوجاعها وجرى في البقاعِ.. الفتاة التي يتلاطم في صدرها شجر وحواكير يهطل من شعرها الاسود الدمُع مثل الفراش الضرير.. الفتاة التي كلما جالت الريح بين المقابر راحت تدافع عن حبّها، وترشُّ على الموتِ قمحاً غزير! فيا قروية اين حمامات حبّي السعيدِ لتهدل في نخلة الدار ذاك الهديل الشجيّ، وأين بكائي القديم على مغربِ الشمسِ حيث البكاء هناكَ مشاعُ ؟! سأبكي مع الليل ما طلع الليلُ ياقرويّةُ هل كان حبّي حماماً حزينا وضاعَ ؟! كما الأهل ضاعوا؟ وهل كان قلبي المهاجرُ غيرَ أميرٍ على الناي لكنه لايطاعْ ولايُستطاعُ ؟ سأجلسُ فوق الصخورِ العتيقةِ كي أتذكرَ أمسي البعيد، فيا دارُ أين الذين مضوا كالحزانى وكانوا هنا ساكنينْ ؟! وهل غرقوا في مياه الكهولة واستوحشوا في العشيّات هذا الوجود الحزين!؟ خذوني الى جذعٍ صفصافة لأرجّعَ أصداء يأسيَ قبل فوات أوان الرحيل! خذوني لأرتدَّ نحو الخرير الذي كان يسقي فؤادي بذاك الغناء العليلْ، فما زلتُ رغم التقدّم في العمر أسألُ :أين (أبو سعدُ) طائرُ حزنِ القرى المستحم بماءِ النجوم، وحارسُ شيخوخةِ العاشقينْ ؟ على شاطىء النهرِ كان أبو سعدُ يبكي ويغرقُ في خلوةٍ من بياض حزينْ، >> ومرّ الحزانى على شجرِ العمرِ يبكون كالعائدينْ.
|