«إيدويدج» على خطى أديبات مهاجرات: « فايــــزة» و «فطــــوم» و« زادي»...
ملحق ثقافي الثلاثاء20 /12/2005 ترجمة: ليـــنا عثمان كان في حديث الزمان طفلة فقيرة سمراء البشرة تحلم بالشهرة والثروة.. تحقق لها ما أرادت عندما غدت كبيرة بأعمالها الأدبية واسمها..
وبفضل إرادتها الفولاذية ومواظبتها على المطالعة والقراءة المستدامة.. اعترضت طريقها مطبات التمييز العنصري لكنها أبت التراجع وتابعت المسير.. إنها « إيدويدج دانتيكات» الأديبة الأميركية الشابة التي أصرت إن تصبح كاتبة مهما بلغت التضحيات في سبيل الوصول إلى الهدف المنشود على غرار حفنة من أقلام واعدة هاجرت إلى دول الشمال لتحصد المجد الأدبي المنتظر أمثال: «مونيكا علي» انتقلت من بنغلاديش إلى بريطانيا لتتبوأ مكانة مرموقة في عالم الأدب الانكليزي.. وتنحدر من أرومة جزائرية.. وصلت مبيعات روايتها: « كيف.. كيف.. غدا» الصادرة عام 4002 عن دار « هاشيت» الباريسية إلى ربع مليون نسخة هذا العام.. «فطوم ديوم» من السنغال وتكتب باللغة الفرنسية وهي صاحبة رواية « جوف الأطلسي».. وصدرت عن دار « كاريير» مطلع 5002 لتحطم رقم بيع ألف نسخة خلال الثلاثة أشهر الأولى من هذا العام.. « زادي سميث» من مواليد لندن لعام 5791..
جاء والداها من جامايكا إلى جزيرة الضباب قبل ثلاثين سنة من الآن.. تكتب بالانكليزية.. أشهر رواياتها: « ابتسامات الذئب» و« رجل الأوتغراف».. البدايات الصعبة ولدت « إيدويدج دانتيكات» في هاييت عام 9691 في عهد ديكتاتورية دوفاليين.. لم تكد تبلغ سن الرابعة حتى هاجر والدها إلى الولايات المتحدة.. وظلت برفقة شقيقها في رعاية أقاربهم في عاصمة هاييتي « بورت- أو- برنس». ما إن تجاوزت سن الثانية عشرة حتى رحلت إلى مدينة « بروكلين» حيث يقيم والدها لتبدأ نشر باكورة أعمالها بعد عامين.. في عام 0991 تخرجت من معهد «بارنارد» لتلتحق بورشة تدريس صناعة الكتابة الأدبية في جامعة « براون» الأميركية. نشرت « الشهيق والعيون والذاكرة» عام 4991 تلتها رواية « كريك كراك» التي رشحت لجائزة أفضل الكتب الوطنية ثم جاءت روايتها « زراعة العظام» لعام 8991.. نشطت في تلك المرحلة من خلال عملها كصحفية في « النيويورك تايمز» وكتبت عام 4991 تلك العبارة التي لفتت إليها الأنظار. « ستغير ثلاثون موهبة وجه الثقافة الأميركية خلال الثلاثين سنة القادمة».. اعتبرت يومئذ واحدة من أبرز عشرين رواوئيا أميركيا شابا..
تعيش اليوم « إيدويدج دانتيكات» في بروكلين وقد تغيرت حياتها لتنتقل من شابة مهاجرة معدمة لا تملك ما يسد رمقها إلى نجمة الأدب الواعد في بلاد العم سام.. نيويورك، كانت تتحدث بهمس.. لم تنطق آنذاك سوى عدة كلمات باللغة الانكليزية.. جاءت من هاييتي إحدى جزر الأنتيل الواقعة شرق كوبا للقاء والديها ولم تكن قد رأتهما منذ سن الرابعة.. فوجدت صعوبة في الالتحاق بالمدرسة في بروكلين.فلهجتها الكريولية - مزيج من الفرنسية واللغة المحكية محليا في الكاريبي شكلت عائقا أمام تعلمها اللغة الانكليزية.. ثم تخطت تلك الأزمة لتنطلق من دنيا الأدب.. رشحت في سن 62 للحصول على جائزة « الكتاب» الوطنية.. وها هي الآن في سن الثلاثين تعمل على تدريس الأدب مرتين في الأسبوع في جامعة نيويورك.. من الصعب أن يصدق المرء كيف تحولت هذه الشابة السمراء الحسناء والتي تتمتع بمعيشة ذات مستوى عال من مهاجرة بائسة إلى روائية ذات صولة وجولة.. عندما كانت « دانتيكات» طفلة صغيرة عاشت مع خالها وخالتها وجدتها وشقيقها في مدينة « بورت أو برنس» النائية في منزل يجمع الأسرة مع بعضها.. لم تكن تعلم هل سيعود والدها من بلاد الاغتراب أم ماذا؟ كل ما أدركته أسوة بالعشرات من سكان الكاريبي أن والديها رحلا للبحث عن الحلم الأميركي ليعملا طوال النهار أملا بمستقبل أفضل. وأخيرا عندما سمحت سلطات الهجرة لوالدها وهو سائق تاكسي ووالدتها العاملة في مصنع للنسيج بضم شمل ولديهما الموجودين في هاييتي إلى شقيقهما المولودين في بروكلين لم تسعها الفرحة. انتقل الشقيق والشقيقة من مدينة الصفيح الهايتية الى حاضرة باردة وقاسية مليئة بالغرباء، حتى والدهما أصبحا كغريبين بالنسبة للطفلين الحديثين.. تصور دانتيكات انطباعاتها خلال تلك المرحلة قائلة:«كانت السنة الأولى صعبة جداً حتى مناداتهما ماما وبابا بدالي أمراً غير طبيعي.. لأنك تطور نوعاً مختلفاً من العلاقات و لكنني أظن أن السنوات التالية تفقدها ولا تستطيع أبداً استعادتها..» رغم الضغوطات النفسية التي عانت منها «ايدويدج» الأبنة بعناد وصلابة سخرية زملاء صفها وانكبت على دراستها باجتهاد.. كانت مدركة تماماً أن والديها اللذين يعملان منذ ساعات الصباح الباكر حتى ساعة متأخرة من الليل للاحتفاظ بشقتهم المكونة من غرفتي نوم يأملان بأن تكون ابنتهما طبيبة أو مهندسة.. لكن «دانتيكات» اختارت دراسة الاقتصاد.. في الليلة السابقة لامتحاناتها النهائية وجدت نفسها تنساق لكتابة قصة عاشتها في حيهم الفقير القديم. اختارت أخيراً الانضمام الى إدارة الفنون الجميلة في جامعة براون و راحت تعمل على تطوير قصتها القصيرة: «الشهيق، العيون،الذاكرة» لتغدو رواية تم نشرها على حساب الجامعة لتحصد الإعجاب والإطراء.. تقول صوفي بطلة هذا العمل :« أتيت من مكان بعيد حيث يشكل الشهيق والعيون والذاكرة وحدة متكاملة.. مكان يجعلك تحمل ماضيك فوق منكبيك كما يتربع الشعر فوق رأسك.» كلمات تعكس انسلاخها عن هذا الموطن الصغير لتحط في مدن مكتظة بالسكان الملونين في بروكلين ونيويورك.. تتابع « ايدويدج» تصوير حياة أقرباء لها في هايتي حيث يتداخل الفلكلور والتاريخ مع معاناة الناس اليومية و صراعهم من أجل البقاء.. أما بطلات روايتها تلك فهن من النساء.. تعيش ًصوفي» مع خالتها وجدتها في مجتمع تعمل فيه المرأة أكثر من الرجل .. كذلك الأمر بالنسبة لتجربتها في «بروكلين» حيث يعاني الجميع من خبية الأمل. أثارت تلك الصور التي رسمتها «دانتيكان» عداوة الطبقة المتوسطة للمهاجرين الهايتين الذين هاجموها.. وصرح عدد منهم أنه لم يسمع بتلك الخرافات أبداً.. وأنه يتوجب على أي كاتب ينحدر من أرومة هايتية أن يقدم صورة أكثر إيجابية عن أرض الموطن عندما يكتب باللغة الانكليزية.. نصيرة المرأة تقول «دانتيكان»:« لم أدرك حتى في كتابة هذه الرواية الفرق الشاسع بين معاناة النساء الفقيرات وبين زميلاتهن الغنيات في المجتمع الهايتي..» ثم تتابع:« لكن الناس الذين يمكن أن يفهموا دلالات تلك الكلمات.. حرموا من نعمة القراءة... وهذا أمر يزرع الحزن في أعماق قلبي».. فنسبة غير المتعلمين في هايتي من بين أعلى النسب في العالم وترتفع في أوساط النساء أكثر منها في أوساط الرجال... حتى بالنسبة للغة المحكية نجد الفروق الاجتماعية تزداد عمقاً مع الأيام.. فهناك إحساس قوي في المجتمع الهايتي بأن النسوة هن ضحايا الفقر والجوع والأزمات المستعصية لكنهن «العمالقة في نظري رغم شعورهن بالنقص عندما يذهبن إلى مصرف ولا يتكلمن اللغة الفرنسية بشكل جيد..» ومن النادر جداً الكتابة «بالكريولية» وهي اللغة المحكية بين الفقراء في هايتي بينما الفرنسية لغة السلطات والذكور البيض والمثقفين والأدباء، إنها لغة «فيكتور هيغو» و«إيميل زولا»... تعلمت «دانتيكان» أول درس لها في كتابة العمل القصصي من خلال- الكبت والبؤس والقهر - المثلث المخيم على الحياة اليومية في بورت- أو- برنس. أحبت تفاعل الأجيال عندما يجلس الكبار إلى جانب الصغار ليتم التواصل بين الطرفين... التهمت «ايدويدج» كتب«مادلاين» لـ«لودويغ بيميلان» وحلمت بكتابة مغامرات طفولتها عندما كانت فتاة صغيرة تعيش في عهد ديكتاتور هايتي بابا دوك دوفالين.. أدركت«دانتيكان» أن رواياتها قد تحمل لها هموماً من نوع آخر فطالما انتهى مطاف كتاب هايتي إلى السجن أو المنفى أو الموت.. ألم تقرأ كتابها الأول عندما وصلت إلى الولايات المتحدة لـ«مايا آنجلو» وعنوانه:«أعرف لماذا يغني الطائر السجين؟» ودهشت الهايتية المهاجرة لنزاهة الروائية ولكيفية تمتعها بحياة سعيدة. ترددت «دانتيكات» كثيراً قبل الانتقال من اللغة الشفهية إلى اللغة المكتوبة، ليس فقط بسبب المخاطر المترافقة مع الكتابة لكن لأنها عرفت أنه عندما يموت راوي القصة، تنتهي القصة. «فعندما تهاجر» تقول «دانتيكات» : «تشق بحاراً من المياه بينك وبين الموضوع الذي تتناوله«.. ألم يكن عنوان مجموعة قصصها القصيرة «كريك، كراك-اشارة واضحة على أنها قررت قبول التحدي؟! تقدم هذه القصة التي كتبت على امتداد سبع سنوات لقطات بانورامية للهاييتين المفجوعين الذين يسعون لحياة يومية بعيدة عن الفقر والعنف والظلم.. أناس هم يحملون أسماء لايهتم بها أحد غيرهم.. فوقع القصة الأولى« أبناء البحر» كان كبيراً خلال الأسبوع الذي غرق فيه أربعون طفلاً حاولوا الهرب من هايتي لكن لم تكتب لهم النجاة.. هز عنوان «مصافحة الأديب «توماس وولف» لـ« إيدويدج دانتيكات» جريدة «نيوزويك» لتتنافس الشخصيات الأميركية على تقديم المديح لهذه الأديبة الشابة والجريئة. وسرعان ما وجدت «دانتيكات» نفسها في صفوف «فيليب روث» و«ماديسون سمارت بل» وعلى قائمة المرشحين لجائزة الكتاب الوطنية وكسفيرة غير رسمية لوطنها الأم.. خططت الأديبة لاكتشاف ما خفي من ملفات مجتمع هايتي المستعمرة الفرنسية الفقيرة لتقتنع أخيراًبالعمل على برنامج تلفزيوني وثائقي يصور تلك الحقبة من تاريخ البلاد بالتعاون مع صديق لها. فهي ما زالت شابة واثقة من نفسها تتحدث بهدوء ودون انفعال.. عرفت السعادة لإقامتها مع عائلتها التي ظلت لا تبالي بمجد ابنتها الأدبي. تقول «دانتيكات»:« ابتعدت سنوات عديدة عن العيش مع والدي وأنا أحب رفقتهم».. واليوم تملك «ايدويدج» مكتباً صغيراًفي بروكلين تستقبل فيه زوارها من الأدباء والمشاهير.. عن الاندبندنت
|