تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


زنــوبيا.. سيرتها وأعمالها في رواية جديدة بالفرنسية

ملحق ثقافي
الثلاثاء20 /12/2005
ترجمة وعرض: كمال فوزي الشرابي

هذه رواية تاريخية صدرت مؤخراً في جزءين أعاد فيها مؤلفاها جان-دانييل بالتاسات BALTASSAT وبرتران هوويتHOUETTE زنوبيا ملكة تدمر الى الحياة، هذه الملكة التي تحدت روما، وطمحت الى أن يشكل رعاياها أكبر نسبة من البشر. وهذا هو ناشر هذه الرواية الأديب برنار فيكسو FIXOT يتفوق بمبيعها عالمياً على أكثر الكتب مبيعاً في الامبراطورية الامريكية بأسرها.

كلنا نعلم أن بلاد اليونان أو الاغريق ومدائنها، ومصر وأهراماتها ومعابدها التي نهب كثيراً من محتوياتها ومعالمها لصوص الآثار،وسورية الشهيرة بآثارها وحضاراتها القديمة هي بلدان تزورها أعداد لاتحصى من السياح كل عام.‏

ونأخذ مثالاً على المعالم الاثرية التي تتحدى الزمن وتبلغ مرتبة الخلود مدينة تدمر بسورية. ويكفي لاظهار عظمة هذه الحاضرة ان نعرف انها تمتد على مساحة عشرة كيلومترات مربعة وأن بها واحة من أجمل الواحات. تلك هي آثار امبراطورية كانت مزدهرة ويجهل معظم الغربيين وقسم كبير من الشرقيين والعرب ما كانت عليه من حضارة وعظمة. انها لأمبراطورية من أروع الامبراطوريات في التاريخ. وهكذا زار الكاتبان الفرنسيان بالتاسات وهوويت هذه المدينة وعاشا فيها حقبة من الزمن ثم كتبا عنها الرواية التي أشرنا اليها. أتت الرواية كما ذكرنا في جزءين وسبعمئة صفحة، وهي زاخرة بالحديث وبالأخبار عن زنوبيا،هذه المرأة ذات الطباع الآسرة والبسالة النادرة. حين ولدت هذه الملكة عام 042 بعد الميلاد كان والدها يأمل أن يرزق بطفل ذكر. وللتخفيف من حدة خيبته، فجَّر الآلهة في الصحراء ينبوع ماء أصبح فيما بعد يسقي واحة خضراء تزهو نضارة وجمالا، وذلك على مبعدة قريبة من مكان إقامته. وخلال بضع سنوات أصبحت أسرته من أقوى الأسر لاتجارها بالبهارات والحرير.‏

في تلك الأثناء، استطاع أوريليان AURELIEN، وهو ضابط روماني شاب أن ينتصر في حربه مع البرابرة، ونادت به روما مدينته امبراطوراً. وكان يعد من أتباعه ملك تدمر. وبعد بضع سنوات أعلنت زنوبيا، بكل ما لديها من وطنية وشجاعة، استقلال بلادها عن الامبراطورية الرومانية، وتزوجت أُذينة ملك تدمر، وأصبحت مليكة لبلادها المزدهرة. وكما هي الحال في منشورات برنار فيكسو، التي يرمز اليها بحرفَيْ(إكس أو= XO) فان ملخص المغامرة التي قامت بها زنوبيا مثبت في زاوية كل صفحة. ثم إن فصول الرواية جيدة الحبك قصيرة، وبسهولة ينتقل القارىء فيها ليواكب تعاقب الأحداث: من جيش أوريليان الى ثورات زنوبيا التي لم تتمكن من نسيان أحد فرسان جيشها وقد قضى في إحدى المعارك وكانت تحبه لشجاعته ووسامته ومنعها والدها من أن تتزوجه. نقع في هذه الرواية الشائقة، المكتوبة باسلوب سلس، على أحداث جمة: معارك طاحنة، خيانات حقيرة، قصص حب ممتعة، طموحات واسعة.. وهكذا فان المزج بينها جميعاً يتم بشكل منطقي ومدروس..‏

وليس في الرواية ما لايستساغ وإن نكن نلاحظ السرعة التي كتبت بها.. حين نصل في قراءتنا الى مطلع الجزء الثاني تتسلَّم زنوبيا بجرأتها المعهودة قيادة الجيوش وتصد محاربي الفرس الأشداء الذين كانوا على الدوام يهددون بلادها. على أنه كان لهذا النصر طعم مر اذ استشهد فيه الفارس المغوار الوحيد الذي أحبته والذي أتينا على ذكره قبل قليل. تخطَّى انتصار هذه المليكة الحدود وأزعج الحكام الرومان الذين خافوا من توسع مملكتها. ونكبت البلاد باغتيال مليكها أذينة بدافع الثأر. وحزَّ الألم والحزن في نفس زنوبيا، ومع ذلك قررت أن تتحدى أقوى جيش في العالم وهو جيش روما. وآلت الأمور الى أسوأ النتائج فلقد غرقت البلاد بالدماء وبالدموع والخراب. وهكذا نرى ان الجزء الثاني يزخر بالأحداث والوقائع والتشويق. ونحس ونحن نقرأ صفحات هذا الجزء الثاني أننا نعاني ما عاناه الجنود من مشقة وعناء في متاهات الصحراء الواسعة. كما نعجب ببسالة زنوبيا وصمودها ثم استسلامها مرغمة الى أعدائها الرومان. ولكي يؤمن الانطلاق والنجاح لهذه الرواية الجميلة المغرية، دعا الناشر برنار فيكسو مئة شخصية الى المكان الذي حدثت فيه الوقائع. وأمَّن الزيارة للمدعوين مؤلفاها.. ومن وراء كل عمود من صف الأعمدة الذي يمتد مسافة ألف ومئة متر والذي يعبر حاضرة تدمر، كنا ننتظر، بين آونة واخرى، ان تظهر الملكة زنوبيا بألبستها الملكية الفخمة تتبعها حاشيتها.. والملفت حقاً ان الحجارة في هذه الصحراء لم تتأثر بعوامل الرطوبة.ولقد ابقى الغزاة سهواً أو عمداً على بعض معالم هذه الحضارة منذ أن توقفت عن أن تؤدي دوراً رئيساً في مسيرة التاريخ. ويمكن القول أننا نستطيع التأكيد بلا تباهٍ على بقاء هذه المعالم المدهشة رغم ما يقارب الألفي سنة على إنشائها. إن سورية بلد سياحي جميل، وهي مستعدة على الدوام لاستقبال السياح الغربيين الذين يحبون الرحلات والاطلاع على حضارتها القديمة. وبعد، فالى هذه الرواية الطويلة عن زنوبيا الملكة الاسطورة نحب أن نضيف ان دار نشر( إكس أو) ستعيد طباعة ثلاثية روائية عن حضارة شعوب الإنكا بأمريكا الجنوبية، وقد بيع من طبعتها الأولى عدد كبير في أربعة وعشرين بلداً وبلغات مختلفة. وإننا لنؤكد هنا ان أكثر الكتب مبيعاً ليست وقفاً على المؤلفين الانكلو- سكسونيين الذين يعرفون بشتى الوسائل كيف يصلون الى قلوب قرائهم. فحين يتميز كتاب بقوة الأحداث والتشويق والتغريب وخصوصاً بجمال البناء بحيث يقرؤه ويتذوقه ويفهمه الجميع، لابدّ له ان يلقى رواجاً سعيداً، ذلك ان الكتاب إنما يتوجه بالدرجة الأولى لا الى إرضاء نرجسية المؤلف او نزوات النقد وأهدائه بل الى كسب رضى القارىء ومحبته.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية