أنا شخصياً لا أسميها قضية إفلاس? لا هي ولا التي قبلها.. المسألة بجوهرها مع الديري ومع جربوع ومن ثم مع القضية الجديدة (الحجار) ليست قضية إفلاس. وقد اتجهت المعالجة على الغالب على أساس أنها ليست تفليسة أو قضية إفلاس.. بل إشكال متأزم يمكن وضع حلول له أو للتخفيف من وقعه.
ما هي القضية إذن?! وكيف تختلف عن الإفلاس..?! هي بالمحصلة إفلاس, لأن صاحب العمل يعجز عن تحقيق متطلبات عمله أو شركته وأكثر من ذلك هو يعجز عن تلبية متطلبات دائنيه. وبالتالي يمكن للجهات الحكومية أن تعلن إفلاسه.. لكن الحكومة وبالتعاون مع جهات أهلية ومؤسسات خاصة سعت غالباً للابتعاد عن إعلان الإفلاس وتقديم حلول لواقع متأزم في هذه الشركة أو تلك.. وهي حسناً فعلت لأن ما تعاني منه الشركة هو إشكال إداري يوصلها الى حالة الحرج التي تدفع بالدائنين لطلب ديونهم في ظرف غير صحيح- طور إنشاء مثلاً أو مرحلة كساد- .. وبالتالي ترى الجهات المعنية المساعدة كل الإشكال الاداري وليس اللجوء الى إعلان الافلاس.. وأعتقد أن ذلك أسلم وهو اتجاه معروف بالعالم.
موضوعي هنا, ليس تفاصيل قضية الحجار الجديدة.. فهناك تحقيق في هذا العدد يشرح الحالة.. بل موضوعي هو ما سميته الإشكال الاداري الذي تواجهه الشركة. أو بالأحرى واجهته الشركة.. واهتمامي فيه يعود أولاً لإبداء رأي في القضية المثارة حول الحجار.. وثانياً لأنها قضية شبه عامة في القطاع الخاص.. كما في العام أيضاً إنما حديثنا هنا محصور بالأول.
لقد لفت نظري ما قاله مسؤول الجهاز المركزي للرقابة المالية في حلب لمراسلنا هناك حول تقديره لأسباب الحالة الراهنة لشركة الحجار.. فقد وضع سببين أساسيين لما تواجهه هذه الشركة هما:
- افتقادها الدراسة الدقيقة للجدوى الاقتصادية.
- افتقادها الاستشارة العلمية الصحيحة.
هذا ليس لب المشكلة وحسب, بل هذا لب معظم المشكلات التي يعاني منها القطاع الخاص.. فالصفة الغالبة له في سورية أنه قطاع عائلي.. يقوم على مبدأ السرية وإبعاد كل الناس عما يجري.. وبالتالي هو لا يسلم معلوماته ولا مشاريعه ولا اتجاهات تطوير أعماله لدارس ولا يسأل عنها مستشاراً!!? حتى أن المديرين لديه, هم على الأغلب من أهل البيت.. ابنه وصهره وابن أخيه والسلام عليكم..
ولنلاحظ في بلدنا الانخفاض الكبير في عدد مكاتب الدراسات ومؤسسات التحقق والتمويل المعلوماتي.. رغم أنه لا ينكر أن شيئاً من هذه المكاتب والدراسات قد بدأ يظهر.. والأهم من ذلك أنه بدأت تظهر طلبات على عمل هذه المكاتب. والحقيقة أنه ليس طلب الدراسة والاستشارة لأهل الخبرة والمعرفة غائباً عن جميع المشاريع لكنها حتى اليوم تبدو محدود التأثير ونسبته قليلة جداً.
ما العمل..?
طبعاً يمكن تصور أن تقوم الدولة بإلزام الشركات باستخدام الدراسة والاستشارة.. لكنها محاولة بائسة ومحكوم عليها بالفشل سابقاً, إن اعتمد عليها لوحدها من أجل الحل.. ولا بد من العمل الذاتي للشركات الخاصة.. وهنا - في رأيي- يأتي دور المؤسسات الأهلية, أعني غرف التجارة والصناعة بصور رئيسة..
يجب أن تكون هناك آلية لغرف الصناعة بالذات وآلية حقيقية لا تسمح بإقامة منشأة تفتقد الدراسة الفعلية وتقرير الجدوى الاقتصادية منها وألا يكون ذلك سرياً.. كي لا يتورط ممول. ولا يتعرض صاحب مشروع للخدعة وضغط الممولين.