صدر تقرير عن «مركز الارتقاء» الأمريكي الذي يعتبر نفسه هيئة أبحاث «تقدمية» مصممة خصيصاً لتقديم أفكار وخبرات مبتكرة لإدارة أوباما، يعتبر هذا التقرير محبطاً للغاية، حيث يدعو إلى مد أجل الحرب في أفغانستان إلى عشرة أعوام أخرى مع رفع درجة التصعيد العسكري فوراً.
وهذا يعني أننا سنرى حرباً طويلة الأمد تشمل كل شيء من الاعتقالات والسجون الجماعية، إلى الغارات الجوية والضربات التي تخلف وراءها الأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين.
لقد قدم «مركز الارتقاء» الأمريكي تقريره لأوباما، داعياً إلى الاستجابة لمطلب القيادة الأمريكية للقوات في أفغانستان بزيادة عدد القوات بـ /15000/ جندي يضافون إلى سبعة عشر ألف جندي كان قد التزم أوباما بنقلهم إلى أفغانستان، وإذا تم ذلك فسيصبح عدد القوات الأمريكية العاملة في أفغانستان سبعين ألف جندي، ولمقابلة مصاريف هذه الزيادات في أعداد الجنود الأمريكيين، يقترح المركز تحويل 25 مليار دولار سنوياً من مخصصات الجيش الأمريكي في العراق إلى أفغانستان.
إلى جانب ذلك يقترح المركز تحويل خمسة مليارات دولار سنوياً من مخصصات الإنفاق على العراق لكي يتم صرفها على المساعدات الاقتصادية الدبلوماسية في باكستان وأفغانستان، ولو افترضنا نظرياً أن المساعدات الاقتصادية ستصل إلى القرى بدلاً من أن تذهب إلى جيوب الوسطاء الفاسدين، يظل تركيز «مركز الارتقاء» الأساسي عسكرياً صرفاً بحثه على إرسال أعداد ضخمة من الجنود الأمريكيين لقمع الشعوب في جنوب وشرق أفغانستان، وكذلك في ضواحي كابول.
أعتقد أنه علينا أن نرى الأمور على حقيقتها، بلا لبس ولاغموض.
فالمهمة الأمريكية ستكون مهمة قتالية، تعتمد القتل والخطف، وتترك لحلفاء أمريكا مهمة التدريبات الثانوية، ويبدو أن مقترحات «مركز الارتقاء» تفصل استراتيجية السيد أوباما التي سبق أن وصفتها «نيويورك تايمز» في 28/ كانون الثاني الماضي، وكان العنوان كالتالي «أوباما يسعى لتغليب الحرب على التنمية في أفغانستان».
إن معدل الإنفاق الأمريكي، وبحسب المركز على الأنشطة العسكرية في الخارج، في مقابل الإنفاق على الارتباطات الدولية غير العسكرية سيبلغ 18 إلى 1 في العام المالي 2009.
إننا لانلاحظ في مقترحات المركز على أي إشارة إلى استراتيجية خروج من أفغانستان على الرغم من أن الرئيس يبدو أنه يطالب بها خلف الكواليس، وكذلك لايضع المركز في تقريره أي خطط لوقف، أو وضع سقف التصعيد العسكري المستقبلي، ويؤكد على الاستراتيجية التي ترتكز على القوة العسكرية، هذه الاستراتيجية المليئة بالأوهام حول باكستان - أفغانستان، تماماً مثل خطط المحافظين الجدد تجاه العراق في التسعينيات من القرن الماضي.
الأمر الوحيد الذي يمكننا التيقن منه هو أن الدماء ستسيل أنهاراً بسبب هذه الاستراتيجية، وخاصة زيادة عدد الجنود الأمريكيين في مناطق البشتون في جنوب أفغانستان، وباكستان، هي أضمن وسيلة لتفجير وإلهاب المقاومة الوطنية وزيادة الدعم والتأييد لطالبان.
الرئيس الأفغاني كان قد ذكر في كانون الأول الماضي أن القوات الأمريكية وقوات التحالف قد ذهبت إلى القرى الأفغانية واقتحمت منازل سكانها وقتلت ولاتزال تجري عمليات قتل خارج القانون في أفغانستان.
وفي السنة الفائتة قال رئيس الوزراء الباكستاني «إذا كانت أمريكا ترغب في أن ترى نفسها خالية، ونظيفة من الإرهابيين، فنحن أيضاً لانريد أن نرى قرانا ومدننا تقصف، وتتعرض للغارات وهجمات الصواريخ».
نلاحظ أن تقرير «مركز الارتقاء» لم يشر إلى أي إشارة للتعذيب والاعتقال في سجن في كابول، بل إن سجن باغرام تتم فيه حالياً عمليات توسعة ضخمة، مع العلم أن فريق أوباما سبق أن ذكر أن تعليماته الخاصة بمناهضة التعذيب لاتغطي مئات المعتقلين في أفغانستان، وبناء على ذلك، يتوقع أن تدشن القوات الأمريكية حملة «اعتقالات وقائية» واسعة في الأشهر المقبلة.
إن صمت المركز حيال هذه القضية مقلق للغاية، وخاصة لأن المركز كان أبدى قلقه العميق حيال نفس هذه السياسة في العراق، من المعروف أن كثيراً من الأمريكيين أصبحوا قلقين، ولكن ليس من الضرورة أن يكون لدى أي منهم شهادة من ويست بونيت، أو من إحدى كليات النخبة لكي يستوعب ويدرك لب وجوهر الوضع في أفغانستان.
لافرق أن تكون في شوارع لوس أنجلوس أو أزقة كابول، فالنظام والقانون الأمريكيان هما السائدان، إضافة إلى الوعود بفرص العمل والتنمية «لاحقاً» ولاحقاً هذه تصبح شيئاً فشيئاً سراباً أبدياً.
وفي أفغانستان وباكستان تعتبر مستويات المعاناة ضمن الأكثر حدة في العالم، الأمر الذي يؤدي إلى طلب الموت من أجل هدفٍ ما.