وخاصة عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي- الصهيوني الدائر منذ أكثر من ستين عاما بين غزاة محتلين وأصحاب أرض سلبت أوطانهم وممتلكاتهم، ويصل الأمر إلى حد أكبر من السوء حين تتعالى أصواتهم العدائية، منددة بالنهج المقاوم المتمسك بالثوابت الوطنية والقومية والرافض للتفريط والتنازل، ولاسيما أن ثقافة المقاومة غدت في عرفهم جريمة نكراء يعاقب عليها القانون، وتهمة مشينة ينبغي التبرؤ منها والخلاص من تبعاتها.
وللدلالة على حجم المفارقة بين النهجين المتعارضين نهج المقاومة ونهج المساومة نستعرض في عجالة ما أنجزه الفعل المقاومة في أقل من عقد، وما عجز النقيض عن إنجازه خلال فترة زمنية امتدت قرابة العقدين. لقد نجح النهج والفعل المقاوم في جنوب لبنان من تحرير الجنوب عام 2000، كما استطاع أن ينزل بالعدو الصهيوني هزيمة ماحقة في تموز 2006 مازال يعاني من تداعياتها حتى اليوم، كما انتزع الحرية من السجون الصهيونية للعديد من المقاومين العرب أحياء وأمواتا ممن سقطوا أسرى في براثن الاحتلال.
وفي عام 2008-2009 كان الصمود الأسطوري لأبطال غزة، وكان الفشل الذريع لمجرمي الحرب الصهاينة وآلة حربهم المدمرة، الأمر الذي انعكس على الكيان الصهيوني في الداخل والخارج بسلبيات هزت الصورة المزيفة للكيان الذي صورته الدوائر الصهيونية ومن تعاطف معها أنه واحة الديمقراطية والحضارة في الشرق الأوسط. لقد جاءت هذه الإنجازات لتثبت نجاعة المقاومة فكرا وتطبيقا ولتسقط من الوعي العربي خرافة الرعب من القوة الرادعة للاحتلال، ولتؤكد صوابية المواقف الداعمة والمؤيدة لنهج الكفاح والتحرير.
وفي مواجهة هذا النهج الذي أثبت جدارته وجدواه منذ عام 2000، برز النهج المعارض لخط المقاومة وتوجهاته، فاستل سيفه الثلم وشرع بالتخبط - على غير هدى- يمينا ويسارا في محاولة لتغطية فشله منذ اوسلو 1993 وحتى الآن، فما الذي حققه هذا النهج على مدى أكثر من عقد ونصف؟ فالاستيطان في ازدياد، وجدار الفصل العنصري أقيم أمام انظارهم ليقطع أوصال المدن والقرى في الضفة الغربية، ومصادرة الأراضي تستعر، وسرقة المياه حرمت السكان الفلسطينيين حتى من مياه الشرب، وتهويد القدس يتم على قدم وساق، ومغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة لا تتم إلا بموافقة الاحتلال والحواجز الصهيونية في الضفة الغربية يزيد تعدادها عن الألف ، وتجريف الأراضي وقطع الأشجار مازال يمضي قدما، فما الذي يمكن تحقيقه بالتفاوض مع عدو كهذا !!؟
إن أقل ما يمكن قوله في اباع المطالبين بوقف المقاومة بحجة عدم إعطاء ذريعة للعدو أن البوصلة السياسية لديهم قد ضلت، فاختاروا الاصطفاف خلف معسكر الأعداء، وقاسموه العداء للمقاومة ونهجها التحرري وتبنوا فكرا بديلا واهماً أدرجوه تحت عنوان: ( انتزاع ما يمكن انتزاعه بالمفاوضات) متناسين أن هذا العدو لا يحفظ عهدا ولا يحترم ميثاقا، ومن السهل عليه إلغاء كافة العهود والمواثيق كلما تغيرت حكومة في كيانه الغاصب، ولا أدل على ذلك من وديعة رابين التي نقضت بنودها الحكومة التي تلت حكومته بعد اغتياله، وفي واقعنا الحالي لم يتردد ليبرمان وزير الخارجية الصهيوني لينقض - بكل بساطة- قرارات موتمر أنابوليس الدولي الذي تعهدته الولايات المتحدة.
لقد آن الأوان لإدراك طبيعة هذا العدو المراوغ الذي يراهن على الزمن، ويلعب على عقاربه، ففي الوقت الذي تجري فيه المفاوضات التي يستخدمها العدو وسيلة لكسب الزمن عبر تحويلها إلى شكل عبثي من المماطلة والتسويف والتنصل ، يستغل هذا الزمن الضائع للاستيلاء على مزيد من الأرض وبناء الكثير من المستوطنات، ساعيا لفرض الأمر الواقع كمسلمات ينبغي إقرارها والاعتراف بشرعيتها.