فسورية تجد من واجبها الحضاري التعبير المتكرر عن الرغبة بتحقيق السلام في المنطقة أملاً باستعادة حقوقها والتخلص من حالة الاحتقان السياسي والأمني المتفاقمة في المنطقة ومواصلتها هذه السياسة أو سعيها للسلام لا يعني إطلاقاً تراجعها عن مستلزمات السلام الدولية المعروفة, كما يحاول البعض الإيحاء بذلك, وتمسكها بهذه الثوابت هو جزء مهم من حرصها على تحقيق السلام وتفويت الفرصة على إسرائيل التي تحاول نسف هذه الأسس الدولية والقانونية بهدف إدخال المنطقة في دوامة جديدة من أنماط التسويف والتضليل والعدوان لجعل إمكانية تحقيق السلام أو مجرد الاستمرار بالحديث عنه مستبعدة في المرحلة الحالية.
السلام الذي تريده إسرائيل بشروطها المعروفة لا يمت إلى قيمه بشيء وإنما هو بمثابة مطالبة العرب للتخلي عن حقوقهم ودفعهم إلى الاستسلام مستغلة في تمردها هذا على الشرعية الدولية الوضع العالمي غير المتوازن وتقييد الأمم المتحدة والدعم الأميركي الذي تخطى حدود الوصف وضعف الدور الأوروبي الذي لم يتخط حتى الآن دبلوماسية المجاملات والتمنيات وتذكير المجتمع الدولي بتوفر الفرص الذهبية وغيرها بين فترة وأخرى لاستئناف عملية السلام..
أمام هذا الواقع الصارخ في تعبيره عن معاداة إسرائيل للسلام وعدم جدوى التحركات الدولية بالصيغ والمبادرات التي نراها على دفع إسرائيل للتخلي عن مفهومها للسلام الذي تريده السؤال ما الغاية من الدبلوماسية النشطة التي تشهدها المنطقة تحت راية السعي لاستئناف العملية السلمية..?
فإذا وضعنا هذه التحركات في سياقها الطبيعي ومحاكاتها مع أخرى سبقتها نجد أنها تصب بشكل أو بآخر وبقصد أو دون قصد في المصلحة الإسرائيلية, لأنها لا تضع النقاط على الحروف وتلقي بالمسؤولية عن عدم تحقيق السلام على جميع الأطراف وفي الكثير من الأحيان تنطوي على تباينات واختلافات بين أصحابها تجيرها إسرائيل لإجهاضها( أي التحركات) في مهدها.
أما إذا كانت هذه التحركات وخاصة الأوروبية منها ( وهو ما نتمناه) تهدف إلى استقصاء الآراء ووضع تصور أوروبي مشترك واضح ومحدد يأخذ بعين الاعتبار ثوابت السلام المعروفة لاستئناف المفاوضات ومترافق مع المقومات التي تجعل إسرائيل مضطرة للتعامل معه, فذلك يشكل نقلة جيدة من الحالة الراهنة إلى أخرى, يستعاد معها الأمل بإمكانية تغيير الموقف الإسرائيلي الرافض للسلام.
طبعا قد يكون من الصعب أو المستبعد جداً دفع إسرائيل لتغيير موقفها هذا في هذه الآونة وخاصة إذا بقيت التحركات الحالية في إطارها الدبلوماسي, فلا يكفي هنا الحديث الأوروبي عن توفر فرصة ثمينة للسلام, كما صرح وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر قبل أيام والمطالبة باستغلالها, وإنما من الضروري جداً أن تجد أوروبا الطريق للعب الدور الكفيل بإعادة عملية السلام إلى الواجهة وجعلها من الأولويات الإسرائيلية وتحقيق ذلك مرهون بمدى قدرة أوروبا على استثمار قوتها السياسية والاقتصادية وعلاقاتها مع جميع الأطراف وخاصة إسرائيل لأجل هذا الهدف.