بشأن إرساء السلام في المنطقة وإقامة الدولة الفلسطينية والقول: إن هذا سيكون من أولويات إدارته, لا يحمل جديداً بل يكرر مواقف وسياسات معروفة سبق وأن خضعت للاختبار ووضعت على المحك, وتبين أنها مجرد كلام ووعود فارغة لا قيمة لها, تبقي في طياتها على أساليب المناورة والمماطلة والتسويف وتضييع الوقت, وإعطاء المزيد من الفرص لإسرائيل لاستكمال الإجهاز على العملية السياسية ووأدها وتكريس منطق الاحتلال والأمر الواقع.
والدوافع الحقيقية لمثل هذه التصريحات وإن بدت جلية وتصب في سياق المحاولات العبثية المستمرة, لترميم الصورة الأميركية وتحسينها وإعادة الثقة المفقودة بها, ولا سيما أنها تأتي على خلفية المأزق المتفاقم, والتعثر الذي يواجهه المشروع الأميركي في العراق, وفي خضم وقائع ومعطيات تكشفت عن فضائح تعذيب وانتهاكات جديدة لحقوق الإنسان في هذا البلد على يد قوات الاحتلال, مطلوب احتواؤها, غير أنها لا تقدم رؤية أميركية مغايرة لتلك التي يعرفها العالم, والتي أعادت التأكيد عليها بقوة مرة أخرى وزيرة الخارجية الجديدة كوندا ليزا رايس المنحازة بالمطلق إلى جانب إسرائيل والملتزمة بالدفاع عنها وعما يسمونه ب¯ أمنها.
لقد سمعنا الكثير من هذه التصريحات والوعود وحتى التعهدات من قبل, وسقطت جميعها وتم ابتلاعها والتراجع عنها واستبدالها بأخرى, مثلت ولا تزال صدمة للعالم, وارتداداً مهيناً ونسفاً لمصداقية وهيبة الولايات المتحدة وصناع القرار فيها, وفي المقدمة الرئيس جورج دبليو بوش صاحب مشروع الدولة الفلسطينية العام ,2005 ومن ثم تأجيل قيامها دورة رئاسية كاملة تمتد حتى العام 2009 نزولاً عند رغبة الحليف الإسرائيلي وتهرباً من التسوية وتحللاً من أي التزام تجاهها يمكن أن يفضي إلى قيام السلام العادل والشامل المؤسس على مرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية.
والمسلمة التي لا يجادل فيها أحد: أن كل التحركات الأميركية حتى اللحظة والأحاديث الملغمة عن الديمقراطية والإصلاح والسلام وتغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة, ليست إلا محاولات للتدخل والمشاغلة والإلهاء وخلق مشكلات إضافية للاستنزاف وممارسة سياسة الابتزاز والضغوط سعياً وراء اختراقات جديدة تسمح بالابتعاد عن جوهر الصراع الحقيقي والأساسي في المنطقة, المتمثل بعدوانية إسرائيل واغتصابها لفلسطين وأجزاء أخرى من الأراضي العربية تلك السياسة الممعنة في التصعيد والإدمان والهوس بعقيدة الإرهاب والاعتقال, والاغتيال والاجتياح والتهويد والاستيطان والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني, بموافقة ودعم أميركيين وتدخل مباشر ومواز على جبهات أخرى يلهب الوضع ويدفع به عنوة نحو التفجر الخطير الخارج عن السيطرة.
العالم لم يعد يحفل بالكلام ويركن إلى وعود وتصريحات بلا رصيد هي بنت ساعتها وغير ملزمة لأصحابها, تجسد ذروة الخداع والتناقض مع ما هو معطى لتل أبيب ومنتهج إزاءها عمليا من سياسات ومواقف ظلت تلتصق بالمشروع التوراتي وتغذيه وتتماهى معه إلى حد التكامل والمشاركة في تعنته ورفضه للسلام, وفي تعيشه على حروب التوسع والقتل والتدمير والدم, وإنما ينتظر سياسات متعقلة ومتوازنة وإجراءات ملموسة, تعوض الإهمال والتقاعس والتقصير, وتكفر عن بعض ما أصاب هذه المنطقة ولحق بأبنائها من أذى ومعاناة ومآس.
والولايات المتحدة دون أدنى شك تملك الكثير من أوراق الضغط, وبمقدورها لو أرادت وبأقل التكاليف وأقصر الطرق حسم وإنهاء الصراع ونزع فتيل التفجير وإرساء السلام العادل والشامل على جميع المسارات, وإثبات أنها قوة توازن لا عامل فوضى وعدم استقرار.