وتمتاز بعض المدن باستخدامها للمواد المحلية التي تفرزها البيئة وتختص بها منطقة دون أخرى, فحجر الخفان المتواجد في الساحل لايوجد في مناطق اخرى, والحجر البازلتي المتواجد في منطقة حمص والمنطقة الجنوبية قد لا يتواجد في غير مناطق, وكذلك الحجر الأبيض المتواجد في محافظات حماة وإدلب وحلب يميز تلك المحافظات عن غيرها, ويستخدم في الأبنية الحجرية الجميلة , فالزائر لمدينة حماة ومدينة حلب يلاحظ هذا التميز في الأبنية الحجرية البيضاء واستخدامها على نطاق واسع في تلبيس الأبنية العامة والخاصة وحتى دور العبادة وتزيينها بالزخارف والنقوش والكتابات لتزيدها رونقا وجمالا فوق جمالها الطبيعي.
هذا في الجانب الإيجابي من حيث وجود هوية معمارية لبعض المدن التي ذكرنا, لكن في الجانب الآخر وهو السلبي, والسلبية هنا هي افتقار العديد من المدن والبلدان إلى الهوية العمرانية وغياب الجانب الجمالي في شكل الأبنية والمواد المستخدمة في إشادتها وعدم الاستفادة من المكونات البيئية التي تميز كل منطقة عن الأخرى .
ويظهر ذلك جليا أكثر ما يظهر في الأبنية العشوائية ومناطق المخالفات السكنية المنتشرة حول المدن الكبرى كدمشق وحلب وغيرها, التي توسعت بشكل كبير لتكون كتلا إسمنتية رمادية اللون تفتقر إلى المساحات الخضراء وإلى اللون المريح للنظر!!
ولا يقتصر الأمر على مناطق السكن العشوائي, بل ينسحب ذلك على مناطق منظمة لا تتقيد بنمط معين من البناء, بل يتجاوز مختلف أنماط وأشكال البناء في منطقة واحدة بعيدا عن أي انسجام أو جمالية في الشكل واللون ..
هذا واقع الكثير من المدن والضواحي والأحياء السكنية في بلدنا والتي لا تعبر عن حضارة بلدنا وتطوره قديما وحديثا ولا تنسجم مع الإمكانات المتوفرة لدينا, سواء الإمكانات العلمية والهندسية والخبرات التي تنتمي إلى مختلف الاتجاهات والمدارس المعمارية, أم لجهة توفر المواد الأولية التي يمكن أن تدخل في البناء والتي تجود بها البيئة السورية على تنوع مكوناتها ومصادرها.
ولا ندري مسؤولية من هذه الفوضى العمرانية والأبنية المتنافرة, هل هي مسؤولية الجهات البلدية والسلطات المحلية, أم هي مسؤولية الجهات المخططة والمسؤولة عن المخططات التنظيمية, أم مسؤولية المواطن?!
نعتقد أن المسؤولية مشتركة وتقع بمعظمها على الجهات المسؤولة عن العمران والمخططات التنظيمية من بلديات ومكاتب تنفيذية ومحافظين وبقية الجهات التي تجاهلت ما يحصل وما وصلنا إليه من فوضى عمرانية .