يأتيه الرد بأن إسرائيل ضعيفة ولا تستطيع تحمل تلك الاشتراطات ويضيف كيسينجر بأنه كان يتوسط بفاعلية لتقديم كل أنواع السلاح والقوة الأميركية إليها, ثم يعود الى مطالبة قادتها بالسلام, فيأتيه الرد بأن إسرائيل قوية ولا حاجة بها لتقديم أية تنازلات من أجل السلام!!
ومع التحفظ, كل التحفظ, على ما ردده كيسينجر وعلى الصورة التي رسمها لنفسه في هذا المفصل من علاقته بإسرائيل وقادتها كوسيط سلام بينها وبين العرب, إلا أن الرجل أصاب في إشارته غير المباشرة الى سياسة المناورة التي اعتادها ومارسها قادة إسرائيل وإلى الثعلب الكامن داخل كل منهم.
إذاً, فالسلام غير مستحبٍ بالنسبة الى إسرائيل, ووفقاً لكيسينجر, سواء كان بشروط أم بغير شروط, وبالتالي, فإن أية مفاوضات سلام يدخلها الإسرائيليون, فإنهم يعرفون سلفاً أنهم سيوصلونها الى العقم سواء كانت هذه المفاوضات جديدة أم استئنافاً لما سبقها من التفاوض, ولذلك فهم جاهزون ولديهم أدواتهم الإسرائيلية والدولية لتأخير أي دعوة إلى السلام أو مفاوضاته ببورصة سياسية وإعلامية, تبدأ بما يردده كيسينجر من حكاية قوة إسرائيل وضعفها, ولا تنتهي الى المزاودة الأكثر حداثة في هذه البورصة, أي افتقاد شريك (السلام)!
هل هي دولة أم عصابة?
فإذا كانت إسرائيل دولة, فإن عليها الالتزام بالمواثيق والوثائق والودائع التي قدمتها أي من حكوماتها المتعاقبة السابقة منها واللاحقة وإلا فإن أي اختراق لهذه المواثيق والودائع يحول الدولة تلك إلى عصابة أي إلى مزاج شخصي لقائد العصابة, فلا عهود ولا ودائع ولامن يحزنون ويصير على العالم حينذاك أن يستبدل صلاته بهذه الدولة من اعتبارات الدولة الى اعتبارات العصابة.
وحتى لو كانت إسرائيل عصابة, وهو الأرجح, فما الذي يميز شارون عن شامير عن رابين عن باراك, اللهم إلا بما صنعت يداه من خراب وأسالت من دماء, ولماذا يمثل شارون إسرائيل ولايمثلها رابين, ولماذا يكون شارون أكثر إسرائيلية من رابين أو شامير سواء كانت إسرائيل دولة أم عصابة.
لو قيض لكيسينجر اليوم أن يعود إلى موقع الفعل الذي كان فيه في السبعينيات, ولو قيض له أن يتدثر بالموضوعية مرة ثانية فماذا يقول في ردود الأفعال الإسرائيلية الملتوية على فعل وارادة ودعوة سورية إلى السلام??.