( استعذب العظم الاقامة في دائرة اللاهوت,حيث يتابع هناك معاركه الدونكيشوتية..) هكذا قال أحد منتقديه, ولكن هذا التوصيف الساخر ينطوي على اطراء خفي غير مقصود:
ففي الوقت الذي فترت فيه همة اليسار, واختنقت أصوات العلمانيين وشحبت شعارات الحداثة والعصرنة, ظل العظم المنافح الاكثر شراسة وجذرية, عن العلمانية والديمقراطية والتحديث, متحديا بذلك حراس التابوهات الراسخة,وسدنة الموروث المقدس.
منذ وقت مبكر من حياته, جابه المفكر الدمشقي العنيد العقل المتكىء على الخرافات والغيبيات,والذي لايزال يجتر الثمار الفاسدة لعصور الانحطاط, وإذ حفر عميقا في الذهنية المستقرة فقد كان طبيعيا ان يصطدم بالتنانين المرصودة لحماية الارث المخبوء.
واذا كان العظم قد خسر ( الاغلبية) عام ,1969اثر كتابه الشهير (نقد الفكر الديني), فإنه ,وبعد عشرين عاماً من ذلك, سيخسر كثيرا من دائرة النخبة ايضا .هؤلاء-وبينهم اصدقاؤه-رأوا في كتابه (ذهنية التحريم) ضربا من التطرف, بل الشطط غير المبرر, غير أن هذا تماما هو مايشكل صلب المشروع الفكري للعظم:
الدخول الى اكثر المناطق حساسية, بعقل بارد, ومنطق صارم.. بلا مسبقات ولا افكار جاهزة ولامقيدات من اي نوع.. وهذا بالطبع مالا تستسيغه ثقافتنا المكبلة بالثوابت والرواسخ والنتائج المحسومة سلفاً.
ربما نستطيع تغيير اشياء كثيرة,واعادة النظر بأشياء كثيرة ,وربما نكون صادقين في نوايانا التحديثية التطويرية, ولكن تلك الدائرة الخطرة التي يتمترس العظم فيها (ليشن معاركه الدونكيشوتية) ستبقى للأسف, محصنة ضد التغيير, الشيء الذي سيؤخر - على الارجح - تكريمه محليا الى أجل غير مسمى.. وهكذا فحسناً فعلت (ايراسموس) إذ كرمته نيابة عنا...!