الذي يمكن تلمس بصماته من خلال وقائع مشخصة في الحياة اليومية, فالحديث عن أي إصلاح ولأي قطاع يفترض رؤية واضحة في القوانين والتشريعات والتعليمات, مثلما يفترض شفافية ومواكبة إدارية سليمة لترجمة تلك التشريعات والقوانين.
وكي لا تبدو كتابتنا مجردة وبعيدة عن التحديد وتسمية الأمور بمسمياتها, لنأخذ مثالاً ينحصر في الإصلاح المصرفي الذي تواتر الحديث عنه خلال السنوات الأخيرة مثل توالد الفطر قبل المطر.., ولعلّ السؤال الذي يمكن إطلاقه.. بعد سنوات من عقد المؤتمرات والندوات وإصدار التشريعات والقوانين التي تخص العمل المصرفي.. ماذا كانت النتائج وكيف يمكن تقويم التجربة?!
الإجابة على هذا السؤال ليست مرهونة في إطلاق الأحكام, بالاتكاء على التوصيفات التي صدرت على لسان هذا المسؤول أو ذاك, وإنما منوطة بحقيقة الأداء اليومي في المصارف الحكومية, فهذا الأداء, لم يشهد أي تبدل يشير إلى التخلي عن آليات وأساليب العمل القديمة, فعمليات السحب والإيداع وفتح الحسابات أو التحويل من جانب الزبائن المحتملين, ما زالت متخمة بالروتين والبيروقراطية, فعملية سحب أو إيداع مبلغ من المال, سواء تمثل بالآلاف أو الملايين, ما زال بحاجة لتبديد ليس أقل من ساعة, فأسطوانة ( الأتمتة) للعمل المصرفي التي استخدمت بكثير من التباهي, يمكن تلمس حضورها من خلال توفر الحواسب وبأعداد كبيرة قد تفيض عن الحاجة في بعض المصارف.. لكن ما فوائد ( الأتمتة) إن هي أبقت على الروتين وعلى تأفف الزبائن وعدم كسب رضاهم?!
وعلى افتراض أن دورات تأهيل وتدريب طالت العاملين والموظفين خلال السنوات الأخيرة.. فأين هي النتائج?!
كي لا يقول البعض إننا لا نرى سوى النصف الفارغ من الكأس, فإن بقعة الضوء الوحيدة, تمثلت في خدمة( الكريديت كارد) التي أطلقها المصرف العقاري, وحتى هذه الأخيرة التي باتت من المنسيات في دول العالم, واجهت قبل أيام من عيد الفطر الماضي, أعطالاً فنية,دفعت بالمودعين للشعور بشيء من القنوط وإطلاق الشكاوى.
لسنا بصدد تقويم أداء هذا المصرف أو ذاك, لكن نعتقد أن مرور عامين أو أكثر على إطلاق شعار إصلاح المصارف الحكومية يستدعي تقويم التجربة والوقوف عند المشكلات والأخطاء التي بحاجة إلى تصويب, وتقويم التجربة يتطلب المكاشفة والعلنية في طرح المشكلات وبحضور كافة الجهات المسؤولة عن إدارة دفة سفينة المصارف, وحتى الصناعيين والتجار ورجال الأعمال في القطاع الخاص, فإصدار رزمة من التشريعات والقرارات, ومعها النيات الحسنة, تمثل مرجعية لا يستهان بها أبداً, لكن هذه التشريعات ستبقى منقوصة وبلا معنى إن لم تتحول إلى فعل مباشر, وهذا يستدعي بالضرورة حضور الكوادر الكفوءة القادرة على العمل وتوليد الثقة مع الزبون, ويتعين ألا يغيب عن الأذهان, أن ثمار الإصلاح المصرفي وإن كانت تنطوي أولاً على تسهيل عمليات الإيداع والسحب والتخلص من مظاهر الروتين والبيروقراطية, غير أنها لا تتبدى بشكل فعلي وحقيقي إلا في حال بدأت الرساميل السورية المهاجرة في العودة إلى الوطن الأم.. فالحاجة لهذه الرساميل أكثر من ماسة ولا بد من عودتها وإن طال السفر.