ولابد لإنجاح مسألة بأهمية الانتخابات العراقية وحساسيتها المفرطة, من التعامل مع الواقع بكل إفرازاته وتعقيداته, وبالتالي أخذ معطياته وتداعياته القائمة والمحتملة بالاعتبار لدى الحديث عن الانتخابات العراقية والتخطيط لإجرائها.
ولعل أهم معطيات الواقع التي يتعين لحظها والاستناد إليها كعناصر مؤثرة في إمكانية إجراء العملية الانتخابية في العراق وتحديد موعدها الممكن ونتائجها,هي الوضع الراهن للعراق كبلد خاضع لاحتلال أجنبي,والاعتراض الصادر عن حيز واسع من القوى السياسية العراقية على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر سعياً وراء تأجيلها بانتظار ظروف أفضل للعراق قد تحملها الشهور القادمة; كأن يتم تحديد جدول زمني لانسحاب الاحتلال الأجنبي, وتعطى الأمم المتحدة والجامعة العربية دوراً أكثر فاعلية وتأثيراً في العملية السياسية المطلوبة في العراق, إضافة إلى تحقيق إجماع وطني على الانتخابات وضرورة المشاركة فيها.
فيما يخص تأثير الوضع الراهن للعراق, فإن أي انتخابات تجرى في ظل احتلال أجنبي سيتم النظر إليها على أنها انتخابات شكلية أو صورية تم إجراؤها لتلميع صورة الاحتلال من قبيل أن الاحتلال نقيضُ أي شكل من أشكال الديمقراطية, وتتأكد صدقية هذا الاستنتاج الاستباقي من التشديد الأميركي على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها, فلهذا التشديد تفسير واحد هو أن الاحتلال الأميركي يريد للانتخابات أن تكون ورقة رابحة بيديه ليقول من خلالها إن (الوعد الأميركي بالديمقراطية العراقية قد تحقق) ليقلب بذلك منطق التاريخ القائل إنه لاديمقراطية وافدة مع القوة, ولا ديمقراطية وحرية وسيادة مع السيطرة الأجنبية, والانتخابات فضلاً عن ذلك هي الإنجاز المتبقي أمام الإدارة الأميركية في محاولتها تسويغ حربها على العراق بعد أن سقطت كل ذرائعها المتصلة بأسلحة الدمار الشامل وخطر العراق على الأمن الإقليمي والسلم الدولي, وعلاقته الكاذبة المكذَّبة بتنظيم القاعدة.
وفي المقام الثاني يبرز اعتراض المعترضين-وما أكثرهم في الساحة العراقية- على انتخابات 30 كانون الثاني المقبل ومطالبتهم بتأجيلها, إضافة إلى تهديد العديد من القوى السياسية بمقاطعتها إن لم يتم التأجيل والدعوة إليها في ظروف سياسية وأمنية لايكون فيها تأثير للاحتلال على سيرها ونتائجها, إذ يتخوف العديد من هذه القوى, من استغلال الاحتلال للانتخابات والمجيء بمن يطالبون ببقائه, كما يتخوف هؤلاء من أن إجراء انتخابات بمشاركة جزئية يتم استجابة لرغبة الإدارة الأميركية سيفقد هذه الانتخابات وأي مجلس وطني ينبثق عنها جزءاً من شرعيتهما, لأن هذا المجلس لن يمثل الجميع في ظل انتخابات بلا مشاركة جماعية, ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أبعد من هذا بالقول( انتخابات ناقصة تعني نتائج باطلة) وفيما لو قدر أن تجري الانتخابات بعيداً عن الإجماع عليها, وتحت ضغط الموعد الذي يرغب فيه الرئيس بوش أواخر الشهر القادم, فإن انعكاسها على الوضع العراقي بمجمله ووضع الاحتلال سيكون أسوأ مما يمكن تصوره,وخصوصاً على صعيد الأمن ومقاومة الاحتلال والنظرة لحكم ما بعد الانتخابات.
ولهذا فإن نجاح العملية السياسية في العراق-والانتخابات جزء أساسي منها - يظل رهناً بعاملين أساسيين:
الأول: تحقيق إجماع وطني على الانتخابات يضمن أوسع مشاركة شعبية فيها ويحدد موعدها وطريقة إجرائها بناء على اتفاق رغبات القوى السياسية الممثلة للشعب و بعيداً عن رغبات الخارج وتأثير الاحتلال.
والثاني: اقتران موعد الانتخابات بجدول زمني لسحب القوات الأجنبية يتضمن وعداً بإنهاء الاحتلال العسكري للعراق بالكامل ضماناً لسيادته واستقلاله ومسيرة الديمقراطية فيه.
وبغير الإجماع الوطني وتهيؤ الاحتلال لانسحاب فعلي يصعب الحديث عن عملية سياسية ناجحة أو انتخابات ديمقراطية حرة في العراق.