توقفت لأتيح لهم العبور,لكنهم امتنعوا وأشاروا لي بالمتابعة..تكرر الموقف بعد مئات الأمتار وكأن عهدا قد قطع بين تلاميذ المنطقة..عقدت العزم وأخذت يميني,فإذا بعنصر من الشرطة العسكرية يقطع الشارع ويتطوع لممارسة دور شرطي السير وموجه المدرسة في آن معا,يوقف السير بإشارة من ذراعه الطويلة ويعطي الأخرى لأول طفل يتعلق بها,ليمتد حبل من قطا تسير بحمى هذا النسر,يوصلهم الى بر أمان الرصيف المقابل,ومنه يتابعون الى مدارسهم.
دوريات تدافع عن حمى الوطن,فتحمي أبناءه من مخاطر شتى,جاثمة أو عرضية,داخلية أو خارجية..لهؤلاء الجنود أفضال كثيرة,منها تصويب علاقة أجيال مع الوطن وحماته,إذ أصابوا بلمسات الإنسانية والحنان هدف القلب فشطفوا عن العقل غشاوات.
أي إنتماء وتوحد وإيثار..محاسن أنارت عتمة مبالغات في أداء المهام والواجبات حتى كادت تؤدي عكس الغرض منها.
فهل يستطيع المرء أن يمنع عن نفسه شعور الغبن كمقدمة للرفض أو الادانة إذ تكشفت الجبهة التي فتحها على طريق قدسيا عناصر إحدى الدوريات عن اثنتي عشرة خرطوشة تبغ مهرب..
كانت المحصلة إصابة الجاني بجروح بليغة و(خردقة) سيارة جديدة لموظف اشتراها بعد أن تمكن أخيرا من اقتناص قرض, إضافة لمدخرات أعوام من الشظف والتقتير.
لو أن هذا الرجل اكتشف أنه ضحى بسيارته فداء للوطن فيما لو كان الملاحق يهرب متفجرات أو حتى مخدرات,لتحولت الخسارة على ايقاع الرضا والاقتناع إلى شعور بالفخر.أما وقد فقدت العدالة معناها,إذ تبخرت علاقات التناسب بين الجرم والعقوبة فلا يمكن إلا أن يتضاعف الشعور بالظلم وبأن المواطن منا قربان على مذابح لم يعين كهنتها وسدنتها. وتبقى صورة النسر عالقة في الذهن.. تحية إلى النسور