وكان ضيف الشرف في هذا المعرض الدول العربية.. نعم الدول العربية مجتمعة وتحت مظلة جامعة الدول العربية التي أبدت اهتماما خاصا بهذا المعرض باعتباره فرصة للتلاقي مع الكتاب العالمي.. بل مع الثقافة العالمية بأسرها وإظهار الوجه المعبر للإبداع العربي.. للثقافة.. للفنون العربية عموما من تشكيلية ومسرحية بل وفلكلورية أيضا.. وباختصار وجه الحضارة العربية التي يحاولون طمسها إن لم نقل إلغاءها في صدام وهمي بين الحضارات تكون فيه المحصلة أن لا حضارة لهذه الشعوب.. وأن العرب خصوصا والمسلمين عموما ما هم إلا جماعات بشرية يتغلغل فيها العنف.. وصورتها لابد أن تقترن ببساطة بالإرهاب وما هو ملغز ومحير فيما يسمونه الانتحار.. ونسميه الاستشهاد.
وثار الجدل ساخنا في الأوساط الثقافية العربية وانعكس في الصحافة.. وفوق الشاشات على الفضائيات حتى إن بعضا منها قد خصص ندوات ولقاءات بل واستفسارات كأن المسألة مسألة (شراكة) وليس (استضافة).. إذ من المتعارف عليه أن ضيف الشرف في أي احتفالية سواء كانت خاصة أم رسمية أم غير رسمية إنما يكون موضع (الحفاوة) ومحط العيون وفي مقام من الاحترام لا الإعراض والخصام.
والذي جرى -على ما يبدو- أن حملة خفية معادية لهذه الضيافة من أساسها قد أثيرت حول الحضور العربي بهذا المستوى وبهذه الكثافة.. وحاولت أن تمنع كتبا أن ترى نور المعرض.. وتحظر على أشخاص المشاركة.. بل وتقلص الجمهور المفترض إلى أعداد ضئيلة لا تتناسب مع من سمي ضيف الشرف.. وامتدت السكاكين المعادية لتمزق هذا التواجد العربي كعربي فقط.. وميزت بين إنتاج بلد عربي وآخر كما لو أننا كعرب ضيوف متعددون ولسنا ضيفا واحدا.
ونحن نقول كمثقفين عرب إن لنا لغة واحدة هي العربية.. ووجها واحدا هو العربي.. وحضارة واحدة .. كل منا يعبر عن الآخر بطريقة ما. إن الصوت التونسي أو المصري أو اليمني إلى آخر القائمة هو مني أنا السورية.. يشبهني.. أو يماثلني.. وقد يكون أنا نفسي.. وكل قطرة من دماء أطفالنا تسيل في أي بقعة تهتز لها الأقلام وتذرف من أجلها الدموع على مدى الساحة العربية.. وحضور أي لون من ألوان الفن أو أي جنس من الأجناس الأدبية لأي دولة عربية إنما يحمل هموم الإنسان العربي وتطلعاته بل وحرصه على انتمائه القومي الذي هو جزء لا يتجزأ من انتمائه الوطني.
والأسئلة التي دارت.. وربما تدور: ماذا تحقق لنا من هذا الحضور? وهل كان في الحقيبة العربية ما يعبر عن الواقع العربي والفكر العربي والأدب العربي? وهل الذين يمثلوننا هم النماذج الحقيقية لما هو قائم فعلا على الساحة العربية? وهل نفكر على المستوى العربي أن نكون في معرض مماثل نحن الداعين ولسنا المدعوين وأن نستحضر ضيوف شرف إلى معارض عربية شاملة وزاخرة بإنتاجنا الحديث وبتراثنا الذي لا يعدله تراث?
وإذا كنا نشكر الألمان على مبادرتهم وكانوا بها كرماء فنحن نتوق لو أننا حملنا معنا أكداسا مكدسة من الكتب المترجمة إلى لغات العالم الحية أو الأكثر شيوعا الخمس أو الست.. لأن كل لغة بالنسبة لشعبها هي لغة حية مادامت تشمل تراثها وتعبر عن حاضرها وتتطلع إلى مستقبلها.
وإذا كنا الآن قد غدونا ضيفا أو ضيوفا فما أكثر الينابيع التي شرب منها الغرب من ثقافتنا.. وما أكثر الكتب التي ترجموها ولايزالون.. منصفين أو غير منصفين في استشراقهم أو استعرابهم لا فرق.. وأنهارنا لا تغيض.. بل هي دائما تفيض.