الجائعون ايضاً كانوا يشعرون بالرضى والاكتفاء.. يجمعهم الشواء.. الغني يلتهم دجاجة مشوية وللطالب الفقير الذرة او الميلانة المشوية.. يوحد الجميع شفق يصبغ الأفق بألوان اخاذة وبحر اكبر من الكل وهمومهم او اطماعهم.
بعد ردم البحر وتوسيع الرصيف تشتت الجمع.. صارت الرفاهية حكراً على الاثرياء ممن يستطيعون الوصول الى خارج المدينة أما التسلية الشعبية فصارت باختصار (بازارية) وحضيضية حيث تصبح الفضلات التعبير الأمثل عن البحبوحة او الغضب.
في دمشق لم يتغير الحال كثيراً.. الجلوس في مقهى صار يستنزف ثروة, وإلا فالبحث المضني عن أي بقعة خضراء وافتعال سيران ليس فيه من السيران إلا الاركيلة ومخلفات الجلسة.
أي بؤس وأي فقر وأي تلوث وأي اكتظاظ يدفع بهؤلاء الناس خارج بيوتهم يحملون كراسيهم ومناقلهم وادوات طبخهم ليلمسوا ارضاً معشوشبة ويكحلوا الناظر بسماء متلألئة.
أما أبناء الطبقة المتوسطة الأقدر على تهذيب سلوك المترفين كما المعدمين فينكمشون على انفسهم كما لو أن المحيط قوقعة لا ترحب إلا بالحلزونات .. فلا هم يقدرون على الاماكن الباهظة ولا اناقتهم تتيح لهم ان يستبدلوا بمنازلهم مساحات تحولت بالازدحام الى ازقة.
فهل نعيد ابرام عقد اجتماعي يصالح الناس في متنزهات ترتفع بالمزاج والذائقة, فيجرف التيار المتدفق ضفتي الحقد والازدراء.
وبعد, فهل هناك من يتردد بعد في تحويل ارض المعرض القديمة الى متنزه او مشروع عقاري.