وإذا كان وزراء الخارجية العرب قد رفضوا في اجتماعهم الطارئ بالقاهرة أي تدخل عسكري في السودان, ورفضوا منطق العقوبات الاقتصادية التي حاولت واشنطن تسويقها على الصعيد الدولي, ودعوا إلى تقديم المساعدات المادية إلى الأشقاء السودانيين, فإن هذا الموقف - الذي أحيا الأمل في النفوس بإمكانية تفعيل التضامن العربي - يحتاج اليوم إلى متابعة على أكثر من صعيد وبأكثر من صيغة, وكذلك التأسيس لمرحلة جديدة في العمل العربي المشترك تستند على تعميم هذا الموقف القومي تجاه أية مشكلة أو أزمة يتعرض إليها هذا القطر أو ذاك.
فالجامعة مطالبة اليوم, سواء من خلال مؤسساتها أم من خلال نشاط وزراء الخارجية العرب, بعدم الاكتفاء بإصدار قرار يرفض العقوبات ويدين اللجوء إلى استخدام القوة والتدخل الأجنبي, أو يدعو إلى مد يد المساعدة للسودان ليتجاوز أزمته, بل متابعة هذا القرار حتى يرى النور على أرض الواقع ومتابعة تنفيذه على الصعيدين المحلي والدولي.
فعلى صعيد الأمم المتحدة يمكن لجامعة الدول العربية أن تبذل المزيد من الجهود من خلال دعوة مجلس الأمن الدولي لإتاحة الوقت الكافي والمناسب للحكومة السودانية حتى تتمكن من تنفيذ تعهداتها والتزاماتها التي قطعتها للمنظمة الدولية, بنزع سلاح الميليشيات, ولاسيما أن الخرطوم بذلت كل ما بوسعها لتطبيق بنود القرار 1556 الصادر عن مجلس الأمن, عبر إجراءات مهمة نفذتها بسرعة كتحسين الوضع الإنساني في دارفور, ومنح عفو عن المتمردين, ونشر أفراد الشرطة هناك وغيرها من الإجراءات الأمنية والقانونية.
وعلى صعيد التحرك على المستوى الدولي فإن الجامعة مطالبة بمزيد من الخطوات لإبعاد شبح التدخل الأجنبي, من خلال تعزيز التعاون وتكثيف الاتصالات مع دول الجوار الافريقي لإنجاح المحادثات التي أعلن عنها في 23 آب الجاري, ومن خلال التنسيق مع الاتحاد الأوروبي من أجل تطويق تداعيات الأزمة سياسياً, وعدم السماح لمنطق العقوبات الجائر وشهوة التدخل العسكري الأميركي أن ترى النور, حتى لا تتكرر المأساة العراقية في بلد عربي آخر بعد العراق.
وفي الاتجاه الثالث فإن المطلوب من الجامعة العربية الإسراع بتقديم مختلف أنواع المساعدات المادية, حتى يتمكن السودانيون من مواجهة المعاناة الإنسانية في هذا الاقليم, وعدم الاكتفاء بمطالبة الدول العربية بتقديم أشكال الدعم والمؤازرة.
بهذه الصيغة يكون القرار العربي الموحد الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب حول مشكلة دارفور فاعلاً ومؤثراً ومؤسساً لمرحلة جديدة في مواجهة الأخطار مهما كبر حجمها ومهما اشتدت الضغوط خلالها.